للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وردته وهو كأنه يطعن في صدر الظماء أو شجرة كدناء، وتقول إنها طوبى لما ظهرت واصلها ثابت وفرعها في السماء، أو مغترف بيده الماء وقد أفاض عليه عطاياه فيضا فرفع له لأجل ذلك فوق قناته راية بيضاء، أو عمود وفاء اشارت الناس إليه بالأصابع، أو ملك طلب السماء بودائع، حتى كان إكليل الجوزاء له من جملة الصنائع، ونسر أبيض طائر علا حتى قلنا إنه يلتقط حبات النجوم الثواقب، أو شجاع ذو همة علية يحاول تأثراً عند بعض الكواكب، فخفض لفقد الماء منارة وخفى بعد ما كان به أشهر من علم، وجدع أنفه وطالما ظهر وفي عرينه شمم، فقلت:

لست أنسى الفوّار وهو ينادي ... غيض مائي وعطّل الدهر حالي

فتمنَّيت من لهيبي بأنِّي ... اشتري غيضه بروحي ومالي

فلا والله ما كانت إلا أيسر مدة حتى رجع الماء إلى مجاريه، وابتسم ثغر دمشق عن شنب الريّ بعدما نشف ريقه في فيه، هذا وقد خمدت نار الحرب وقعدت بعد ما قامت على ساق وقدم، وبطلت آلتها التي كانت لها على تحريك الأوتار وجس العيدان نغم، واعتقل الرمح بسجن السلم وعلى رأسه لواء الحرب معقود، وعمت مقل السيوف في أجفانها لما علمت أن الزيادة في الجد نقص في المحدود، وفاضت غدران

<<  <  ج: ص:  >  >>