الرحمة على رياض الأمن فظهر لها من نبات حسن، فالحمد لله الذي أذهب عنا الحزن وبعد فالمعذرة من فهاهة هذه الرسالة التي هي في رياض الأدب بأقلية والصفح عن طولها وقصر بلاغتها بين يدي تلك المواقف السحبانية وليكون محمولا على متن الحلم كلامها الموضوع، فقد علم الله أنها صدرت من قلب مكسور، وفؤاد مصدوع، وذهن ضعيف وليس لكسير ضعفه عاصم ولا نافع، وراحلة فكر أمست وهي عند سيرها إلى غايات المعاني ضالع:
فسيروا على سيري فإنَّي ضعيفكم ... وراحلتي بين الرواحل ضالعُ
هذا وكم تولد للملوك في طريق الرمل من عقله، وكم ذاق من قطاع الطريق أنكادا حتى ظن أنه لعدم النصرة ليس له إلى الاجتماع وصله، وكلما زعق عليه غراب تألم لسهام البيت وفقد مصر التي هي نعم الكنانة، وأنشد وقد تحير في الرمل لفراق ذلك التخت الذي أعز الله سلطانه:
من زعقة الغراب بعد الملتقى ... فارقت مصراً وبها أحبابي
وفي الطريق الرمل صرت حائراً ... مروّعا من زعقة الغراب
واستقبل المملوك بعد ذلك بلاد الشام فبئس الحال وبئس الاستقبال، فو الرحمن ما وصل بها إلى مكان إلا وجده قد وقعت فيه