ذروه ذروه إنّكم قد رقدتموا ... وما هو عن إحسانكم برقود
فقال سليمان قل ما شئت، وكتب كلثوم بن عمر إلى بعض الكرماء رقعة فيها:
بُثِّ تكرّهت أن تعطي القليل ولم ... تقدر على سعةٍ لم يظهر الجودُ
بث النوال ولا تمنعك قلّته ... فكل ما سدَّ فقراً فهو محمود
فشاطره ماله حتى بعث إليه وبنصف خاتمه وفرد نعله.
دخل طلحة بن عبد الله بن عوف السوق يوماً فوافق فيه الفرزدق فقال يا أبا فراس اختر عشرا من الأبل ففعل فقال ضم إليها مثلها فلم يزل يقول مثل ذلك حتى بلغت مائة فقال هي لك فقال:
يا طلح أنت أخو الندى وعقيدُه ... إنّ الندى ما مات طلحة ماتا
إن الندى ألقى إليك رحاله ... فبحيث بتّ من المنازل باتا
ووفد أبو الشمقمق إلى مدينة سابور يريد محمد بن عبد السلام فلما دخلها توجه إلى منزله فوجده في دار الخراج يطالب فدخل عليه يتوجع فلما رآه محمد قال:
ولقد قدمت على رجالٍ طالما ... قدم الرجال عليهم فتموّلوا
أخنى الزمان عليهم فكأنّما ... كانوا بأرض أقفرت فتحوّلوا
فقال أبو الشمقمق:
الجود أفلسهم وأذهب مالهم ... فاليوم إن راموا السماحة يبخلوا
قال فخلع محمد ثوبه وخاتمه ودفعهما إليه فكتب بذلك مستوفي الخراج إلى الخليفة فوقع إلى عامله بإسقاط الخراج عن محمد ابن عبد السلام تلك السنة وإسقاط ما عليه من البقايا وأمر له بمائة ألف درهم معونة على مروءته.
وحكي عن أبي العيناء أنه قال حصلت لي ضيقة شديدة فكتمتها عن أصدقائي فدخلت يوماً على يحيى بن أكثم القاضي فقال: أن أمير المؤمنين المأمون جلس للمظالم وأخذ القصص فهل لك في الحضور قلت نعم فمضيت معه إلى دار أمير المؤمنين فلما دخلنا عليه أجلسه وأجلسني ثم قال يا أبا العيناء بالألفة والمحبة ما الذي جاء بك في هذه الساعة فأنشدته:
لقد رجوتك دون الناس كلِّهم ... وللرجاء حقوقٌ كلُّها تجَبُ
إن لم يكنْ ليّ أسبابٌ أعيش بها ... ففي العُلا لَكَ أخلاقٌ هي السبب
فقال: يا سلامة أنظر أي شيء في بيت مالنا دون مال المسلمين. فقال: بقية من مال. قال: فأدفع له مائة ألف درهم وابعث له بمثلها في كل شهر، فلما كان بعد أحد عشر شهراً مات المأمون، فبكى عليه أو العيناء حتى تقرحت أجفانه، فدخل عليه بعض أولاده فقال: يا أبتاه، بعد ذهاب العين ماذا ينفع البكاء؟ فأنشأ أبو العيناء يقول: