فقالوا بئس والله ما فعلت توجهت إلى رجل كان يرتضيك لأمر جليل فكشفت له سرَّك وأطلعته على مكنون أمرك فأزريت عنده بنفسك وصغرت عنده منزلتك بعد أن كنت عنده جليلاً فما يراك بعد اليم إلا بهذه العين فقلت قد مضى الأمر الآن بما لا يمكن استدراكه فلما كان من الغد بكرت إلى باب الخليفة فلما بلغت الباب استقبلني صاحب أبي خالد فقال لي أين تكون قد أمرني أبو خالد بأجلاسك إلى أن يخرج من عند أمير المؤمنين فجلست حتى خرج فلما رآني دعاني وأمر لي بمركوب فركبت وسرت معه إلى منزله فلما نزل قال علي بفلان وفلان الخياطين فأحضرا فقال لهما ألم تشتريا مني غلات السواد بثمانية عشر ألف ألف درهم قالا نعم قال ألم أشترط عليكما شركة رجل معكم قالا بلى قال هو هذا الرجل الذي اشترطت شركته لكما ثم قال لي قم معهما فلما خرجنا قالا لي أدخل معنا بعض المساجد حتى نكلمك في أمر يكون لك فيه الربح الهنيء فدخلنا مسجداً فقالا لي إنك تحتاج في هذا الأمر إلى وكلاء وأمناء وكيالين وأعوان ومؤن لم تقدر منها على شيء فهل لك أن تبيعنا شركتك بمال نعجله لك فتنتفع به ويسقط عنك التعب والكلف فقلت لهما وكم تبذلان لي فقالا مائة ألف درهم فقلت لا افعل فما زالا يزيدانني وأنا لاأرضى إلى أن قالا لي ثلاثمائة ألف درهم ولا زيادة عندنا على هذا فقلت حتى أشاور أبا خالد قالا ذلك لك فرجعت إليه وأخبرته فدعا بهما وقال لهما هل وافقتماه على ما ذكر قالا نعم قال اذهبا فاقبضاه المال الساعة ثم قال لي أصلح أمرك وتهيأ قد قلدتك العمل فأصلحت شأني وقلدني ما وعدني به فما زلت في زيادة حتى صار أمري إلى ما صار ثم قال لولده الفضل يا بني فما تقول في ابن من فعل بأبيك هذا الفعل وما جزاءه قال: حق لعمري وجب عليك له فقال والله يا ولدي ما أجد له مكافأة غير أن أعزل نفسي وأوليه ففعل ذلك وهكذا تكون المكافأة.
ومن ذلك ما حكي عن العباس صاحب شرطة المأمون قال: دخلت يوماً إلى مجلس أمير المؤمنين ببغداد وبين يديه رجل مكبل بالحديد فلما رآني قال لي يا عباس قلت لبيك يا أمير المؤمنين قال خذ هذا إليك فاستوثق منه واحتفظ وبكر به إلّي في غد واحترز عليه كل الاحتراز قال العباس فدعوت جماعة فحملوه ولم يقدر أن يتحرك فقلت في نفسي مع هذه الوصية التي أوصاني بها أمير المؤمنين من الإحتفاظ به ما يجب إلا أن يكون معي في بيتي فأمرتهم فتركوه في مجلس لي في داري ثم أخذت أسأله عن قضيته وعن حاله ومن أين هو فقال من دمشق فقلت جزى