وشجرة "قريوه" في الدرعية ومثل "شجرة الفحال" في عرقة وشجرة الطرفية وغار بيت الأمير وغيرها، والتبرك هو طلب البركة منها ورجاؤها فيما يؤمل واعتقاد النفع فيها والضر وحصول البركة، وهو بهذا المعنى من الشرك الأكبر. وقد عقد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله بابا في كتابه المعروف بكتاب "التوحيد" باب من تبرك بالشجر أو حجر أو نحوهما: وساق تحته أدلة تحريم هذا العمل وأنه من الشرك الذي حكم الله بكفر أصحابه فذكر قول الله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} الآيات فهذه الأوثان الثلاثة من أعظم الأوثان الجاهلية في الحجاز، ولهذا نص الله عليها بأعيانها. واللات صخرة أو قبر، وأما العزى فهي شجرة سمر عليها بناء وأستار بين مكة والطائف، وأما مناة فهو وثن بين مكة والمدينة لأهل المدينة أو غطفان. فلما اعتقد فيها المشركون أنها تنفع وتضر من دون الله وتعلقت بها قلوبهم، صارت أوثانا تعبد من دون الله. فالتبرك بالأشجار والأحجار في عهد الدعوة شبيه بالتبرك باللات والعزى ومناة.
ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة قد بعث خالدا لقطع الشجرة وهدم الصنم والوثن تحقيقا للتوحيد وحماية لجنابه، وكان ما يفعل في العارض شبيها بما كان يفعل في الجاهلية، فقد قام الشيخ رحمه الله بقطع شجرة "الذئب" في العيينة بنفسه وأمر بقطع "شجرة قريوه" في الدرعية.
وهذا العمل من الشيخ في قطع الأشجار، وإزالة معالم كانت محل تعظيم العامة تقصدها في قضاء الحاجات ولها قداسة في نفوس الناس، زاد هذا في الاختلاف بين الدعوة وخصومها لأنه خروج على مألوف الناس وعادتهم، ومخالف لما يجري في معظم الديار الإسلام. ومع هذا مضت الدعوة في طريقها لتحقيق أهدافها لاعتقاد قادتها أن النصر مع الصبر، وأن مع العسر يسرا، وأن من قام لله حفظه الله ونصره، لاسيما مع اليقين الجازم بأن يقومون به هو مقتضى الشرع وفعل الرسول صلى الله عليه وسلم، وأصحابه وأن ما حصل كان سببه الجهل وغربة الإسلام.