٣- رجم الزانية التي جاءت إلى الشيخ وأقرت بالزنا، وطلبت إقامة حد الله عليها، وأقرت عند الشيخ أربع مرات في أربعة أيام، فلما تيقن الشيخ من توفر شروط إقامة الحد عليها أمر بها، فرجمت لأنها محصنة، وكان "عثمان بن معمر" أول من بدأ برجمها.
لقد بهرت الأعمال كلها الناس، لأنها أشياء جديدة لم يعتادوها، مما جعلهم أما ذلك قسمين:
قسم آمن بذلك وأقر به.
وقسم أنكره وحاربه.
وكان من ضمن هؤلاء -المنكرين- حاكم الإحساء من بني خالد، وهو سليمان بن محمد بن غرير، الذي كان له ما يشبه النفوذ السياسي على حاكم العيينة، لذلك أرسل "ابن غرير" إلى معمر حاكم العيينة برسالة يتوعده ويتهدد بقطع راتبه السنوي إن لم يخرج الشيخ من بلده، ولما لم تكن دعوة الشيخ قوية في تلك الفترة، بحيث يعرض ابن معمر بهذه القوة ما يفقده من كسب مادي١ من حاكم
١ لا يخفى على العاقل البصير أن القوة المادية لها أهمية عظيمة في نشر الدعوات والأفكار مع القوة المعنوية والحجج والبراهين. فإن أي دعوة إذ لم يكن لديها من القوة ما يحميها ويذود عنها سرعان ما تتكالب عليها قوى الشر والطغيان حتى تستأصل خضراءها، وتظهر هذه الأهمية من قوله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} سورة الحديد، وكذلك قوله: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً} الإسراء:٨١. قال قتادة: فيها أن نبي الله صلى الله عليه وسلم لا طاقة له بهذا الأمر إلا بسلطان، فسأل سلطاناً نصيراً لكتاب الله ولحدود الله ولفرائض الله، ولإقامة دين الله، فإن السلطان رحمة من الله جعله بين أظهر عباده، ولولا ذلك لأغار بعضهم على بعض فأكل شديدهم ضعيفهم. قال ابن كثير: وهو الأرجح: لأنه لا بد من الحق من قهر ممن عاداه، وناوأه ... وفي الحديث: "إن الله ليذع بالسلطان ما لا يذع بالقرآن"، تفسير ابن كثير ٣/٦٤.