للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العادة أن يستشفع عند من يملك الأمر، ببعض خاصته، وأهل المنزلة عنده، فيحقق الرغبة ويعطى السؤال إرضاء لهذا الشفيع، وتشريفا لقدره، والله هو الذي يملك زمام الأمور، وغيره ضعيف عاجز، مفتقر إلى اللَّه، فكيف يستشفع به على أحد من خلقه، فجميع الأنبياء والأولياء إذا قيسوا بعظمة اللَّه وجبروته، كانوا أقل من ذرة، وإن العرش الذي أحاط بالسماوات والأرضين كالقبة، ليئط به أطيط الرحل بالراكب، فليس في طاقة مخلوق أن يشرح عظمته أو أن يتخيلها، فمن يجرؤ على أن يتدخل في مملكته، وينفذ فيها أمره، إنه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، ولا يحتاج في ذلك إلى وزير أو مشير، يصرف أمورا لا يأتي عليها الإحصاء، ولا

يبلغها الاستقصاء، في أقل من طرفة عين، فكيف يشفع عند غيره، ومن الذي يستبد بالأمور دونه؟ .

يا للعجب إن محمدا صلى اللَّه عليه وسلم الذي شرفه اللَّه على جميع خلقه لا يكاد يسمع من أعرابي جلف كلمة تدل على جهله بالله، وقصور عقله، أن يملأه الخوف أو المهابة، فيفيض في بيان عظمة اللَّه التي ملأت العالم من العرش إلى الفرش، وما بال أقوام طالت ألسنتهم، وحملهم الطيش والجرأة، فتشدقوا بكلام تكاد السماوات يتفطرن منه، وتنشق الأرض، وتخر الجبال هدا، وبدأوا يتكلمون عن اللَّه جلت عظمته، كأن بينه وبينهم دالة أو قرابة، فقال بعضهم: إني اشتريت ربي بدانق، ومنهم من يقول: أنا أكبر من ربي بسنتين، ويقول الثالث: إذا تجلى ربي في صورة غير صورة شيخي، لم أرفع إليه بصري، ويقول شاعر: إني أحمل قلبا قد جرح بحب محمد صلى اللَّه عليه وسلم وعطفه، فأنا منافس لله تعالى أغار

<<  <   >  >>