للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أُبنى، فنظر إلى ما هناك وارتاد الطريق، ثُمَّ رجع سريعاً حتّى لقي أُسامة على مسيرة ليلتين من أُبنى، فأخبره أنّ الناس غارّون١ ولا جموع لهم وأمره أن يسرع السير قبل أن تجتمع الجموع، وأن يشنَّها غارة، فلمّا انتهى إلى أُبنى فنظر إليها منظر العين، عبّأ أصحابه، وقال: اجعلوها غارة ولا تُمعنوا في الطلب، ولا تفترقوا، واجتمعوا واخفوا الصوت، واذكروا الله في أنفسكم، وجرّدوا سيوفكم وضعوها فيمن أشرف لكم، ثمّ دفع عليهم الغارة، فما نبح كلب، ولا تحرّك أحد، وما شعروا إلاّ بالقوم قد شنّوا عليهم الغارة ينادون بشعارهم: يا منصور أمت! فقتل من أشرف له، وسبى من قدر عليه، وحرَّق في طوائفهم بالنار، وحرَّق منازلهم وحرثهم ونخلهم، فصارت أعاصير من الدخاخين، وأجال الخيل في عرصاتهم٢، ولم يمعنوا في الطلب، أصابوا ما قرب منهم، وأقاموا يومهم ذلك في تعبئة ما أصابوا من الغنائم، وكان أُسامة خرج على فرس أبيه التي قُتِلَ عليها يوم مؤتة، وكانت تُدعى سبحة، وقُتِل قاتِلُ أبيه في الغارة، خبَّره به بعض من سُبِي٣، وأسهم للفرس سهمين ولصاحبه سهماً، وأخذ


١ غارّون: غافلون.
٢ العرصة: كلّ بقعة بين الدور واسعة ليس فيها بناء. (القاموس: العرص) .
٣ قلت: لكن ذكر ابن دريد في (الاشتقاق ٥٥١) أنّ مالك بن رافلة قائد العرب المنتصرة في معركة مؤتة هو الذي قتل زيد بن حارثة رضي الله عنه، وهي معلومة تفرّد بها.
وقد ذكر ابن إسحاق أن قطبة بن قتادة العذري قائد ميمنة المسلمين في مؤتة قُتل مالك بن رافلة في المعركة. والله تعالى أعلم.

<<  <   >  >>