للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَكُنْ مِثْلُهُ قَادِحًا فِي الْعِبَادَاتِ، فَأَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ قَادِحًا فِي الْعَادَاتِ.

فَإِنْ قِيلَ: بَلْ مِثْلُ هَذَا قَادِحٌ فِي الْعَمَلِ بِالنَّصِّ وَالْمَعْقُولِ.

أَمَّا الْمَعْقُولُ، فَإِنَّ الْعَامِلَ بِقَصْدِ الْحَظِّ قَدْ جَعَلَ حَظَّهُ مَقْصِدًا وَالْعَمَلَ وَسِيلَةً؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَقْصِدًا لَمْ يَكُنْ مَطْلُوبًا بِالْعَمَلِ، وَقَدْ فَرَضْنَاهُ كَذَلِكَ، هَذَا خُلْفٌ، وَكَذَلِكَ العمل١ لو لَمْ يَكُنْ وَسِيلَةً لَمْ يُطْلَبِ الْحَظُّ مِنْ طَرِيقِهِ، وَقَدْ فَرَضْنَاهُ أَنَّهُ يَعْمَلُهُ؛ لِيَصِلَ بِهِ إِلَى غَيْرِهِ، وَهُوَ حَظُّهُ، فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى ذَلِكَ الْحَظِّ وَسِيلَةٌ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْوَسَائِلَ مِنْ حَيْثُ هِيَ وَسَائِلُ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ لِأَنْفُسِهَا، وَإِنَّمَا هِيَ تَبَعٌ لِلْمَقَاصِدِ بِحَيْثُ لَوْ سَقَطَتِ الْمَقَاصِدُ سَقَطَتِ الْوَسَائِلُ، وَبِحَيْثُ لَوْ تُوُصِّلَ إِلَى الْمَقَاصِدِ دُونَهَا لَمْ يُتَوَسَّلْ بِهَا، وَبِحَيْثُ لَوْ فَرَضْنَا عَدَمَ الْمَقَاصِدِ جُمْلَةً لَمْ يَكُنْ لِلْوَسَائِلِ اعْتِبَارٌ، بَلْ كَانَتْ تَكُونُ كَالْعَبَثِ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَالْأَعْمَالُ الْمَشْرُوعَةُ٢ إِذَا عُمِلَتْ لِلتَّوَصُّلِ بِهَا إِلَى حُظُوظِ النُّفُوسِ، فَقَدْ صَارَتْ غَيْرَ مُتَعَبَّدٍ بِهَا إِلَّا مِنْ حَيْثُ الْحَظِّ، فَالْحَظُّ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْعَمَلِ لَا التَّعَبُّدُ، فَأَشْبَهَتِ٣ الْعَمَلَ بِالرِّيَاءِ لِأَجْلِ حُظُوظِ الدُّنْيَا مِنَ الرِّيَاسَةِ وَالْجَاهِ وَالْمَالِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَالْأَعْمَالُ الْمَأْذُونُ فِيهَا٤ كُلُّهَا يَصِحُّ التَّعَبُّدُ بِهَا إِذَا أُخذت مِنْ حَيْثُ أذن فيها، فإذا أخذت من جهة


١ طريق آخر يتوصل به إلى أن العمل وسيلة للحظ، وهو أقرب إلى أن يكون طريقا آخر في التقرير والتصوير فقط، ولا يخفى أنه في هذا الإشكال من أوله إلى آخره لم يأخذ فيه سوى العمل والحظ، ولم يذكر المقصد الأصلي المشارك للحظ الذي قال فيه: "فأما الأول "فعمل بالامتثال بلا إشكال" فإن الحظ موضوعنا ليس هو المقصود وحده، بل معه القيام بالمصلحة ودرء المفسدة، الذي هو غاية لإذن الشارع فيه، وأخذ المكلف له من هذه الجهة. "د".
٢ وهي ما فِي الْتِزَامِهَا نَشْرُ الْمَصَالِحِ بِإِطْلَاقٍ، وَفِي مُخَالَفَتِهَا نشر المفاسد بإطلاق، يعني ما ليست عبادة بالأصالة لأنها موضوع المسألة هنا. "د".
٣ ولم تكن رياء محضا؛ لأنه مع طلب حظه والسعي فيه يضم إلى ذلك غرضه من إقامة المصلحة ودرء المفسدة بدليل أخذه لها من جهة الإذن. "د".
٤ هي نفس الأعمال المشروعة في كلامه. "د".

<<  <  ج: ص:  >  >>