للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ تَعَبِ الدُّنْيَا١، وَكَانَ فِيهَا نَعِيمُهُ وَلَذَّتُهُ، أَفَيُقَالُ: إِنَّ دُخُولَهُ فِيهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ قَادِحٌ فِيهَا؟ كَلَّا، بَلْ هُوَ كَمَالٌ فِيهَا وباعث على الإخلاص فيها".

في "الصَّحِيحِ"٢: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ! مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، ومن لم يستطع، فعليه بالصوم، فإنه لو وِجَاءٌ" ٣.

ذَكَرَ ابْنُ بَشْكُوَالَ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْحَدَّادِ، قَالَ: حَضَرْتُ الْقَاضِيَ أَبَا بَكْرٍ بْنَ زَرْبٍ شَكَا إِلَى التَّرْجِيلِيِّ الْمُتَطَبِّبِ ضَعْفَ مَعِدَتِهِ وَضَعْفَ هَضْمِهِ، عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ يَعْهَدُ مِنْ نَفْسِهِ، وَسَأَلَهُ عَنِ الدَّوَاءِ، فَقَالَ: اسْرُدْ الصوم تصلح معدتك.

فقال: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ! عَلَى غَيْرِ هَذَا دُلَّنِي، مَا كُنْتُ لِأُعَذِّبَ نَفْسِيَ بِالصَّوْمِ إِلَّا لِوَجْهِهِ خَالِصًا، وَلِي عَادَةٌ فِي الصَّوْمِ الْاِثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ لَا أَنْقُلُ نَفْسِي عَنْهَا. قَالَ أَبُو عَلِيٌّ: وَذَكَرْتُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ حَدِيثَ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -يَعْنِي: هَذَا الْحَدِيثَ- وَجَبُنْتُ عَنْ إِيرَادِ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي [ذَلِكَ] الْمَجْلِسِ، وأحسبني ذاكراته فِي ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَجْلِسِ، فَسَلَّمَ للحديث٤.


١ فكان صلى الله عليه وسلم يقول: "أرحنا بها يا بلال"، ومضى تخريجه "ص٢٤٠".
٢ ومثله حديث: "إذن تكفى همك" لمن قال له عليه السلام: إني أحب الصلاة عليك أأجعل لك ربع صلاتي، إلى أن قال: أجعل لك صلاتي كلها. فإذا راعى ذلك في صلاته كان من هذا القبيل، ومنه ما ورد في الاستغفار {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} الآية فيها ترتب حظ دنيوي بل حظوظ على الاستغفار، وهو عبادة. "د".
قلت: وحديث "إذن تكفى همك" خرجته بإسهاب في تعليقي على "جلاء الأفهام" لابن القيم، وفيه تعليق جيد عليه.
٣ سيأتي تخريجه "٣/ ١٤٣"، وهو في "الصحيحين" عن ابن مسعود رضي الله عنه.
٤ الفرق بين الواقعة المذكورة والحديث أن الواقعة تشير إلى قصد إصلاح المعدة، وهي معدودة من الحظوظ النفسية، أما الحديث، فيتضمن القصد بالعبادة إلى التعفف الذي هو واجب شرعي، ولكن المصنف سينبه إلى أن العلة في صحة العبادة التي قصد فيها إلى طاعة أخرى كون هذه الطاعة مأذونا فيها فيلحق بها ما كان غير عبادة من المأذون فيه، ومن يرى أن القصد إلى حظ دنيوي يكدر صفو العمل الخالص يذهب إلى أن العلة في صحة القصد إلى طاعة أخرى إنما هي كونها من جنس العبادة في طلب الشارع لها ووعده بالثواب عليها. "خ".
قلت: في الأصل: "أبا بكر بن زنب"، و"..... وذكرت ذلك في....."، وما بين المعقوفتين سقط منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>