الْأَوَّلُ الْمُفْضِي إِلَى الْعِلْمِ بِوُجُودِ الصَّانِعِ، وَالْعِلْمِ بِمَا لَا يَتِمُّ الْإِيمَانُ إِلَّا بِهِ؛ فَإِنَّ قَصْدَ الِامْتِثَالِ فِيهِ مُحَالٌ حَسَبَمَا قَرَّرَهُ الْعُلَمَاءُ؛ فَكَيْفَ يُقَالُ: إِنَّ كُلَّ عَمَلٍ لَا يَصِحُّ بِدُونِ نِيَّةٍ؟ وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا كُلُّهُ دَلَّ عَلَى نَقِيضِ الدَّعْوَى، وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ عَمَلٍ بِنِيَّةٍ وَلَا أَنَّ كَلَّ تَصَرُّفٍ تُعْتَبَرُ فِيهِ الْمَقَاصِدُ هَكَذَا مُطْلَقًا.
لِأَنَّا نُجِيبُ عَنْ ذَلِكَ بِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا أَنْ نَقُولَ: إِنَّ الْمَقَاصِدَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالْأَعْمَالِ ضَرْبَانِ:
ضَرْبٌ هُوَ مِنْ ضَرُورَةِ كُلِّ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُخْتَارٌ، وَهُنَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ كُلَّ عَمَلٍ مُعْتَبَرٌ بِنِيَّتِهِ فِيهِ شَرْعًا، قُصِدَ بِهِ امْتِثَالُ أَمْرِ الشَّارِعِ أَوْ لَا، وَتَتَعَلَّقُ إِذْ ذَاكَ الْأَحْكَامُ التَّكْلِيفِيَّةُ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَدِلَّةِ؛ فَإِنَّ كُلَّ فَاعِلٍ عَاقِلٍ مُخْتَارٍ إِنَّمَا يَقْصِدُ بِعَمَلِهِ غَرَضًا مِنَ الْأَغْرَاضِ، حَسَنًا كَانَ أَوْ قَبِيحًا، مَطْلُوبَ الْفِعْلِ أَوِ التَّرْكِ أَوْ غَيْرَ مَطْلُوبٍ شَرْعًا، فَلَوْ فَرَضْنَا الْعَمَلَ مَعَ عَدَمِ الِاخْتِيَارِ كَالْمُلْجَأِ وَالنَّائِمِ وَالْمَجْنُونِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؛ فَهَؤُلَاءِ غَيْرُ مُكَلَّفِينَ؛ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِأَفْعَالِهِمْ مُقْتَضَى الْأَدِلَّةِ السَّابِقَةِ؛ فَلَيْسَ هَذَا النَّمَطُ بِمَقْصُودٍ لِلشَّارِعِ؛ فَبَقِيَ مَا كَانَ مَفْعُولًا بِالِاخْتِيَارِ لَا بد فيه من القصد، وإذ ذلك تَعَلَّقَتْ بِهِ الْأَحْكَامُ، وَلَا يَتَخَلَّفُ عَنِ الْكُلِّيَّةِ عَمَلٌ أَلْبَتَّةَ، وَكُلُّ مَا أُورِدَ فِي السُّؤَالِ لَا يَعْدُو هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ؛ فَإِنَّهُ إِمَّا مَقْصُودٌ لِمَا قُصِدَ لَهُ مِنْ رَفْعِ مُقْتَضَى الْإِكْرَاهِ أَوِ الْهَزْلِ أَوْ طَلَبِ الدَّلِيلِ أَوْ غَيْرِ ذلك؛ فيتنزل على ذَلِكَ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ بِالِاعْتِبَارِ [وَعَدَمِهِ، وَإِمَّا غَيْرُ مَقْصُودٍ؛ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ عَلَى حَالٍ، وَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ حُكْمٌ؛ فَمِنْ بَابِ خِطَابِ] الْوَضْعِ لَا مِنْ بَابِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ؛ فَالْمُمْسِكُ عَنِ الْمُفْطِرَاتِ لِنَوْمٍ أَوْ غَفْلَةٍ إِنْ١ صَحَّحْنَا صَوْمَهُ؛ فَمِنْ جِهَةِ خِطَابِ الْوَضْعِ، كَأَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ نَفْسَ الْإِمْسَاكِ سَبَبًا فِي إِسْقَاطِ الْقَضَاءِ أَوْ فِي صِحَّةِ الصَّوْمِ شَرْعًا، لَا بِمَعْنَى أنه مخاطب به وجوبا، وكذلك ما
١ كذا في الأصل و"ط"، وفي النسخ المطبوعة: "وإن" بزيادة واو.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute