للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالْعُمُومِ، وَالْمَطْلُوبُ مِنَ الْمُكَلَّفِ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى ذَلِكَ فِي أَفْعَالِهِ، وَأَنْ لَا يَقْصِدَ خِلَافَ مَا قَصَدَ الشَّارِعُ، وَلِأَنَّ الْمُكَلَّفَ خُلِقَ لِعِبَادَةِ اللَّهِ، وَذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَى الْعَمَلِ عَلَى وَفْقِ الْقَصْدِ فِي وَضْعِ الشَّرِيعَةِ –هَذَا مَحْصُولُ الْعِبَادَةِ-؛ فَيَنَالَ بِذَلِكَ الْجَزَاءَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

وَأَيْضًا؛ فَقَدْ مَرَّ أَنَّ قَصْدَ الشَّارِعِ الْمُحَافَظَةُ عَلَى الضَّرُورِيَّاتِ وَمَا رَجَعَ إليها من الحاجيات والتحسينات، وَهُوَ عَيْنُ مَا كُلِّفَ بِهِ الْعَبْدُ؛ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَطْلُوبًا بِالْقَصْدِ إِلَى ذَلِكَ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ عَامِلًا عَلَى الْمُحَافَظَةِ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ، وَحَقِيقَةُ ذَلِكَ١ أَنْ يَكُونَ خَلِيفَةَ اللَّهِ فِي٢ إِقَامَةِ هَذِهِ الْمَصَالِحِ بِحَسَبِ طَاقَتِهِ


= الإسلامي كان له فضل السبق في استنباطها على نحو كلي واسع، جعلها تنبسط بظلها على جزئيات وقوعية، ومعاملات جارية في المجتمع لا تحصى كثرة، مما يقيم الدليل البين على اعتبار الجزئي بالكلي، واعتبار الكلي بالجزئي كيلا يقع التخالف المحظور شرعا كما قدمنا، فضلا عن أنها نظرية جاءت توثيقًا وحماية لمقاصد التشريع.
هذا بالنسبة للتطبيق الذي ينهض به المكلفون عامة؛ امتثالا لأحكام التشريع، وتنفيذًا لها، أما بالنسبة للمجتهد بوجه خاص؛ فإن عليه أن يحدد "المقصد الشرعي" في حكم كل مسألة على حدة ليتمكن من تبين صحة أو دقة اندراجها في المقاصد العامة للتشريع التي اتجهت جملة التكاليف إلى تحقيقها اعتبارا للجزئي بالكلي، وهذا لون من الجهد العقلي الاجتهادي.
١ أي: حقيقة كون العبد مكلفا بالمحافظة على الضروريات، وما يرجع إليها أن يكون خليفة الله في إقامتها بمباشرته الأسباب الظاهرة التي رسمها الله تعالى في الشرائع وأودع في العقول إدراكها. "د".
٢ انظر في استخدام هذا اللفظ: "زاد المعاد" "٢/ ٣٧"، و"مفتاح دار السعادة" "ص١٦٥" -كلاهما لابن القيم- وقرر فيهما: إن أريد بإضافة "الخليفة" إلى الله سبحانه وتعالى أنه خليفة عنه؛ فالصواب منعه لأن الخليفة إنما يكون عمن يغيب ويخلفه غيره، وهذا محال في حق الله تعالى؛ لأنه شاهد غير غائب، وإن أريد بالإضافة أن الله استخلفه عن غيره ممن كان قبله؛ فهذا لا يمتنع فيه الإضافة. وانظر: "معجم المناهي اللفظية" "ص١٥٦-١٥٧ - ط الأولى".

<<  <  ج: ص:  >  >>