للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} الآية [البقرة: ١٨٩] ؛ فَجَعَلَ إِتْيَانَ الْبُيُوتِ مِنْ ظُهُورِهَا مِثَالًا شَامِلًا لِمُقْتَضَى هَذَا السُّؤَالِ؛ لِأَنَّهُ تَطَلُّبٌ لِمَا لَمْ يُؤْمَرُ بِتَطَلُّبِهِ.

وَلَا يُقَالُ: إِنَّ الْمَعْرِفَةَ بِاللَّهِ وَبِصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ عَلَى مِقْدَارِ الْمَعْرِفَةِ بِمَصْنُوعَاتِهِ، وَمِنْ جُمْلَتِهَا الْعَوَالِمُ الرُّوحَانِيَّةُ، وَخَوَارِقُ الْعَادَاتِ فِيهَا تَقْوِيَةٌ لِلنَّفْسِ، وَاتِّسَاعٌ فِي دَرَجَةِ الْعِلْمِ بِاللَّهِ تَعَالَى.

لِأَنَّا نَقُولُ: إِنَّمَا يُطْلَبُ الْعِلْمُ شَرْعًا لِأَجْلِ الْعَمَلِ حَسَبَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، وَمَا فِي عَالَمِ الشَّهَادَةِ كافٍ وَفَوْقَ الْكِفَايَةِ؛ فَالزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ فَضْلٌ، وَأَيْضًا إِنْ كَانَ ذَلِكَ مَطْلُوبًا عَلَى الْجُمْلَةِ كَمَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} الآية [البقرة: ٢٦٠] ؛ فَإِنَّ الْجَوَابَ عَنْ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا:

أَنَّ طَلَبَ الْخَوَارِقِ بِالدُّعَاءِ، وَطَلَبَ فَتْحِ الْبَصِيرَةِ لِلْعِلْمِ بِهِ١ لَا نَكِيرَ فِيهِ، وَإِنَّمَا النَّظَرُ فِيمَنْ أَخَذَ يَعْبُدُ اللَّهَ وَيَقْصِدُ بِذَلِكَ أَنْ يَرَى هَذِهِ الْأَشْيَاءَ؛ فَالدُّعَاءُ بَابُهُ مَفْتُوحٌ فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ شَرْعًا مَا لَمْ يدعُ بِمَعْصِيَةِ، وَالْعِبَادَةُ إِنَّمَا الْقَصْدُ بِهَا التَّوَجُّهُ لِلَّهِ وَإِخْلَاصُ الْعَمَلِ لَهُ، وَالْخُضُوعُ بَيْنَ يَدَيْهِ؛ فَلَا تُحْتَمَلُ الشَّرِكَةُ، وَلَوْلَا أَنَّ طَلَبَ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ الأخروي مؤكد لإخلاص العمل


١ أي: بالدعاء، يعني أن طلب ذلك بالدعاء لا نكير فيه، إنما النكير في أن يقصد هذا بالعبادة، وسيدنا إبراهيم طلب ذلك بالدعاء لا بعبادة أخرى من العبادات؛ فليس طلب الخوارق بالدعاء كطلبها بالعبادة. "د".

<<  <  ج: ص:  >  >>