للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّرِيعَةِ وَأَدِلَّتُهَا، غَيْرَ مُخْتَصَّةٍ بِمَحَلٍّ دُونَ مَحَلٍّ، وَلَا بِبَابٍ دُونَ بَابٍ، وَلَا بِقَاعِدَةٍ دُونَ قَاعِدَةٍ؛ كَانَ النَّظَرُ الشَّرْعِيُّ فِيهَا أَيْضًا عَامًّا لَا يَخْتَصُّ بِجُزْئِيَّةٍ دُونَ أُخْرَى؛ لِأَنَّهَا كُلِّيَّاتٌ تَقْضِي عَلَى كُلِّ جُزْئِيٍّ١ تَحْتَهَا وَسَوَاءٌ عَلَيْنَا أَكَانَ جُزْئِيًّا إِضَافِيًّا٢ أَمْ حَقِيقِيًّا٣؛ إِذْ لَيْسَ فَوْقَ هَذِهِ الْكُلِّيَّاتِ كُلِّيٌّ تَنْتَهِي إِلَيْهِ، بَلْ هِيَ أُصُولُ الشَّرِيعَةِ، وَقَدْ تَمَّتْ؛ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَفْقِدَ بَعْضَهَا حَتَّى يَفْتَقِرَ إِلَى إِثْبَاتِهَا بِقِيَاسٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ فَهِيَ الْكَافِيَةُ فِي مَصَالِحِ الْخَلْقِ عُمُومًا وَخُصُوصًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} ٤ [المائدة: ٣] .


= المراتب الثلاث؛ كذلك هذه الكليات المأخوذة من استقرائها قاضية على كل الجزئيات وعلى أفراد الأدلة التفصيلية التي تندرح تحتها؛ فلا يتأتى أن يفقد بعض تلك الكليات حَتَّى يَفْتَقِرَ إِلَى إِثْبَاتِهَا بِقِيَاسٍ أَوْ غَيْرِهِ لأن ذلك إنما يعقل في فروع الأحكام لا في أصولها، وإلا؛ لما كانت الشرعية تامة. وهنا يخطر السؤال الذي يريد المؤلف أن يجعل هذه المسألة لتحقيقه، وهو أنه هل يصح إذًا للمجتهد ألا ينظر في الجزئيات والأدلة التفصيلية عند استنباط الأحكام ويكتفي بالكليات، كما هو الشأن في قواعد اللغة مثلا، يجري التطبيق في كل فاعل على أنه مرفوع عند قراءة كلام العرب، بدون نظر إلى أن هذا الفاعل بخصوصه ورد عن العربي المتكلم به مرفوعا؟ وهكذا يكون الشأن هنا؛ فيقال مثلا: إن هذا الجزئي إن كان ضروريا قدم على الحاجي، وإن كان حاجيا قدم على ما بعده، والضروريات نفسها ما كان منها متعلقا بالدين قدم على المتعلق بالنفس، وهذا يقدم على ما بعده منها، وهكذا؛ فيستغنى بالنظر في الكليات عن النظر في الدليل الشرعي الخاص على طبق قواعد النحو مثلا، وكذلك يستغنى عن النظر في الجزئيات الإضافية اكتفاء بالكليات؟
فكان الجواب عن السؤال أن الأمر ليس على ما يظن، بل لا بد منهما معا كما بسطه، ولما كانت هذه المسألة كأصل عام في كتاب الأدلة جعلها فاتحة مسائل هذا الباب؛ فلله درّه ما أسد نظره، ولقد صدق فيما يقول بعد: "إن النظر في هذه الأطراف فيه جملة الفقه"، وسيأتي لهذا المبحث بقية في كتاب الاجتهاد في المسألة الثالثة عشرة".
١ في "ط": "جزء".
٢ أي كما قال: "ولا بقاعدة دون قاعدة". "د".
٣ كذا في "د"، وفي الأصل و"م" و"ف" و"ط": "أو حقيقيا".
٤ المراد بذلك بيان ما لزم بيانه وما يستنبط منه غيره، كالتنصيص على قواعد العقائد، والتوقيف على أصول الشرع وقوانين الاجتهاد؛ فكل ما يستنبطه المجتهدون ويخرجه العلماء الراسخون من أحكام الوقائع مأخوذ من الكتاب والسنة، وإليهما يرجع الإجماع. "ف".
قلت: انظر في تفسير الآية: "الاعتصام" للمصنف "٢/ ٨١٦-٨١٧ - ط دار ابن عفان".

<<  <  ج: ص:  >  >>