للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِي:

أَنَّ الْمُتَشَابِهَ لَوْ كَانَ كَثِيرًا لَكَانَ الِالْتِبَاسُ وَالْإِشْكَالُ كَثِيرًا، وَعِنْدَ ذَلِكَ لَا يُطْلَقُ عَلَى الْقُرْآنِ أَنَّهُ بَيَانٌ وَهُدًى؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} [آلِ عِمْرَانَ: ١٣٨] .

وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {هُدًى لِلْمُتَّقِين} [الْبَقَرَةِ: ٢] .

{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ ١ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النَّحْلِ: ٤٤] .

وَإِنَّمَا نَزَلَ الْقُرْآنُ لِيَرْفَعَ الِاخْتِلَافَ الْوَاقِعَ بَيْنَ النَّاسِ، وَالْمُشْكَلُ الْمُلْتَبِسُ إِنَّمَا هُوَ إِشْكَالٌ٢ وَحَيْرَةٌ لَا بَيَانٌ وَهُدًى، لَكِنَّ الشَّرِيعَةَ إِنَّمَا هِيَ بَيَانٌ وَهُدًى؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِكَثِيرٍ، وَلَوْلَا أَنَّ الدَّلِيلَ أَثْبَتَ أَنَّ فِيهِ مُتَشَابِهًا؛ لَمْ يَصِحَّ الْقَوْلُ بِهِ، لَكِنَّ مَا جَاءَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ٣ بِالْمُكَلَّفِينَ حُكْمٌ مِنْ جِهَتِهِ زَائِدٌ عَلَى الْإِيمَانِ بِهِ وَإِقْرَارُهُ كَمَا جَاءَ، وَهَذَا وَاضِحٌ.

وَالثَّالِثُ:

الِاسْتِقْرَاءُ؛ فَإِنَّ الْمُجْتَهِدَ إِذَا نَظَرَ فِي أَدِلَّةِ الشَّرِيعَةِ جَرَتْ لَهُ عَلَى قَانُونِ النَّظَرِ، وَاتَّسَقَتْ أَحْكَامُهَا، وَانْتَظَمَتْ أَطْرَافُهَا عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هُودٍ: ١] .

وَقَالَ تَعَالَى: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} [يُونُسَ: ١] .

وَقَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا} [الزُّمَرِ: ٢٣] ، يَعْنِي: يشبه بضعه بَعْضًا، وَيُصَدِّقُ أَوَّلُهُ آخِرَهُ وَآخِرُهُ أَوَّلَهُ، أَعْنِي: أوله وآخره في النزول.


١ يقتضي الاستدلال أن معنى "لتبين"؛ أي: به، فيكون بينا، ويؤكد أن غرضه ذلك سابق الكلام ولاحقه، وهو خلاف ما فسرت به الآية من أنه بيان السنة للقرآن. "د".
٢ في "ف": "إشكالا"، قال: "المناسب إنما هو إشكال وخيرة لا بيان وهدى، أو إنما هو ورد إشكالا ... إلخ".
٣ لعله: "لم يتعلق"، والجملة خبر، والمبتدأ قبله. "ف".

<<  <  ج: ص:  >  >>