للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَكُونُ الْمُتَشَابِهُ قَلِيلًا؟ وَهُوَ كَثِيرٌ جِدًّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فُسِّرَ بِهِ آنِفًا؛ فَإِنَّهُ قَدْ دَخَلَ فِيهِ مِنَ الْمَنْسُوخِ وَالْمُجْمَلِ وَالْعَامِّ وَالْمُطْلَقِ وَالْمُؤَوَّلِ١ كَثِيرٌ، وَكُلُّ نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ يَحْتَوِي عَلَى تَفَاصِيلَ كَثِيرَةٍ، وَيَكْفِيكَ مِنْ ذَلِكَ الْخَبَرُ الْمَنْقُولُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ حَيْثُ قَالَ: "لَا عَامَّ إِلَّا مُخَصَّصٌ؛ إلا قوله تعالى: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [الْبَقَرَةِ: ٢٨٢] "٢.

وَإِذَا نَظَرَ الْمُتَأَمِّلُ إِلَى أَدِلَّةِ الشَّرْعِ عَلَى التَّفْصِيلِ مَعَ قَوَاعِدِهَا الْكُلِّيَّةِ أُلْفِيَتْ لَا تَجْرِي عَلَى مَعْهُودِ الِاطِّرَادِ؛ فَالْوَاجِبَاتُ مِنَ الضَّرُورِيَّاتِ أُوجِبَتْ عَلَى حُكْمِ الْإِطْلَاقِ وَالْعُمُومِ فِي الظَّاهِرِ، ثُمَّ جَاءَتِ الْحَاجِيَّاتُ وَالتَّكْمِيلِيَّاتُ وَالتَّحْسِينِيَّاتُ فَقَيَّدَتْهَا عَلَى وُجُوهٍ شَتَّى وَأَنْحَاءٍ لَا تَنْحَصِرُ، وَهَكَذَا سَائِرُ مَا ذُكِرَ مَعَ الْعَامِّ.

ثُمَّ إِنَّكَ لَا تَجِدَ الْمَسَائِلَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّرِيعَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا اخْتُلِفَ فِيهِ إِلَّا الْقَلِيلَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ وَاضِحٌ، وَأَنَّ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ غَيْرُ وَاضِحٍ؛ لِأَنَّ مَثَارَ الِاخْتِلَافِ إِنَّمَا هُوَ التَّشَابُهُ يَقَعُ فِي مَنَاطِهِ، وَإِلَى هَذَا؛ فَإِنَّ الشَّرِيعَةَ مَبْنَاهَا فِي التَّكْلِيفِ عَلَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ أَوَّلًا فِي مَعْنَاهُ٣، ثُمَّ في


١ أي: قبل معرفة ما يقتضي تأويله، وإلا؛ فبعدها يكون محكما. "د".
وقال "ف": "سبق إدخاله في المحكم؛ فتأمل".
٢ لم أظفر به، وهو من كلام الأصوليين، وليس بمسلم لهم؛ كما تراه في "إجابة السائل" "ص٣٠٩ وما بعدها"، بل قال عنه ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" "٦/ ٤٤٢": "من أكذب الكلام وأفسده"، وفي "٦/ ٤٤٤": "في غاية الجهل، وإما في غاية التقصير في العبارة"، ولذا شكك المصنف في ثبوت هذا الأثر عن ابن عباس، انظر "ص٣١٢، ٤/ ٤٨".
٣ أي: هل هو اقتضاء فعل غير كف على جهة الاستعلاء، أم هو القول المقتضي طاعة المأمور بفعل المأمور به؟ وقوله: "في صيغته"؛ أي: هل له صيغة تخصه أم لا؟ وقوله: "فيما تقتضيه"؛ أي: الوجوب، أم الندب، أم الأمر المشترك، وهل تقتضي التكرار أم لا تقتضيه، وهل الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده، والنهي عنه يقتضي الأمر بضده أم لا؟ "د".

<<  <  ج: ص:  >  >>