للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

......................................................


= متسائلين: هل يجوز عقلا أن يتكلم الله بكلام لا معنى له عند المخاطب، وهل يجوز كذلك أن يقول الرسول لأمته: إن ربكم قد خاطبكم بكلام لا يعلم معناه إلا هو، وهل يجوز أن يقول لهم: إن القرآن أنزل ليتدبر في الوقت الذي لا يعلم معناه إلا الله؟
إن المشكلة تزداد خطورة خصوصًا في نظر شيخ الإسلام ابن تيمية حين يرى أن وظيفة الرسول هي البلاغ الموصوف بأنه {بَلاغٌ مُبِينٌ} ، وأن وظيفة القرآن أنه أنزل: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً} ، ثم يكون الرسول نفسه لا يفهم معنى ما تكلم به بدعوى أنه لا يعلم تأويله إلا الله، وبدعوى أن الصفات من المتشابه.
لعل هذه المشكلة كانت سببًا في أن ابن تيمية قد خصص حياته لخدمتها من قريب ومن بعيد؛ فهو إن خاض غمار الفلسفة أو علم الكلام، أو ناقش الفقهاء والصوفية؛ فسلاحه في كل ميدان هو آيات الكتاب، أو حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الصحيح؛ لأنه ليس هناك آية لا معنى لها، أو مصروفة عن ظاهرها، بل كل آيات القرآن واضحة في معناها، وليس هناك لبس ولا خفاء، ولقد تتبع ابن تيمية أقوال السلف تتبع الخبير بمصادرها، واضعًا أدلة هؤلاء وهؤلاء أمام النصوص؛ فظهر له الغث من السمين، والصحيح من الخطأ، والسليم من السقيم.
وفي القول السابق ادعاء أنه يوجد في ظاهر النصوص ما يوهم التشبيه، وهذا ليس بصحيح،
والخلاصة أنه ما من قول يدعي أن هذه الآية أو تلك من المتشابه الذي لا يعلم معناه إلا الله؛ إلا وقد تكلم السلف في بيان معناها، حتى من أطلق المتشابه على نصوص الصفات مريدا بذلك حقائقها وكيفياتها التي هي عليها، فهذا يسوغ أن يسمى متشابها؛ لأن حقائق الصفات وما هي عليه من الكيفيات لا يعلمه إلا الله، وهذا هو تفويض الكيفية الذي يقول به السلف؛ إلا أننا على الرغم من ذلك نعلم معنى الاسم والصفة؛ فنعلم معنى سميع وبصير وعليم، ومعنى السمع والبصر والعلم، ونعلم معنى أن له يدين ووجها، كل هذا ونحوه نعلم معناه بمقتضى لغة التخاطب، ولا يقتضي علمنا بمعاني هذه النصوص أن تكون مثل ما في الشاهد من سمع المخلوق وبصره وعلمه ويديه ووجهه، ومع هذا كله؛ فلا ينبغي إطلاق لفظ المتشابه على الصفات لأجل هذا إلا به، ولهذا لم يؤثر عن السلف إطلاقه عليها.
وكذا إذا تتبعنا أقوال العلماء في معنى المتشابه؛ فلا نجد رأيًا إلا وقد بين السلف معناه ووضحوه، فإذا جعلنا المتشابه هو المنسوخ كما روي عن ابن مسعود وابن عباس وقتادة والسدي =

<<  <  ج: ص:  >  >>