للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذَا أَنَّ مَا كَانَ مِنَ الْأَحْكَامِ الْمَكِّيَّةِ يَدَّعِي نَسْخَهُ لَا يَنْبَغِي قَبُولُ تِلْكَ الدَّعْوَى فِيهِ إِلَّا مَعَ قَاطِعٍ بِالنَّسْخِ، بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ وَلَا دَعْوَى الْإِحْكَامِ فِيهِمَا.

فَصْلٌ

وَهَكَذَا يُقَالُ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ مَكِّيَّةٌ كَانَتْ أَوْ مَدَنِيَّةٌ.

وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهَانِ الْأَخِيرَانِ، وَوَجْهٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ أَنَّ غَالِبَ١ مَا ادُّعِيَ فِيهِ النَّسْخُ إِذَا تَأَمَّلْ٢؛ وَجَدْتَهُ مُتَنَازِعًا فِيهِ، وَمُحْتَمَلًا، وَقَرِيبًا مِنَ التَّأْوِيلِ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ عَلَى وَجْهٍ، مِنْ كَوْنِ الثَّانِي بَيَانًا لِمُجْمَلٍ، أَوْ تَخْصِيصًا لِعُمُومٍ، أَوْ تَقْيِيدًا لِمُطْلَقٍ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الْجَمْعِ مَعَ الْبَقَاءِ عَلَى الْأَصْلِ مِنَ الْإِحْكَامِ فِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي.

وَقَدْ أَسْقَطَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ مِنَ "النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ"٣ كَثِيرًا بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ، وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: "أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ فُرِضَتْ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي نَسْخِهَا".

قَالَ ابْنُ النَّحَّاسِ: "فَلَمَّا ثَبَتَتْ بِالْإِجْمَاعِ وَبِالْأَحَادِيثِ٤ الصِّحَاحِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لَمْ يَجُزْ أَنْ تُزَالَ إِلَّا بِالْإِجْمَاعِ أَوْ حَدِيثٍ يُزِيلُهَا ويبين نسخها، ولم


١ ومنه يعلم أن الطريقة التي جرى عليها مثل الجلالين في "التفسير" ليست على ما ينبغي، وإن كان جريًا على الاصطلاح الآتي في المسألة بعد؛ فهو تساهل في التعبير غير محمود في بيان كلام الله تعالى. "د".
٢ في "م" و"ط": "تؤمل".
٣ طبع في مجلدين سنة "١٤١٣هـ" عن مكتبة الثقافة الدينية بمصر، بتحقيق د. عبد الكبير المدعري.
٤ في مطبوع "الناسخ والمنسوخ" و"ط": " ... وبالأسانيد".

<<  <  ج: ص:  >  >>