للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبَقِيَ السَّائِرُ عَلَى الْحُكْمِ الْأَوَّلِ، وَالْمُبَيَّنُ مَعَ الْمُبْهَمِ١ كَالْمُقَيَّدِ مَعَ الْمُطْلَقِ، فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ؛ استهل إِطْلَاقُ لَفْظِ النَّسْخِ فِي جُمْلَةِ هَذِهِ الْمَعَانِي لِرُجُوعِهَا إِلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ.

وَلَا بُدَّ مِنْ أَمْثِلَةٍ تُبَيِّنُ الْمُرَادُ: فَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ٢ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} [الْإِسْرَاءِ: ١٨] إِنَّهُ نَاسِخٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا} [الشُّورَى: ٢٠] .

وَعَلَى هَذَا التَّحْقِيقِ تقييد لمطلق؛ إذ كَانَ قَوْلُهُ: {نُؤْتِهِ مِنْهَا} مُطْلَقًا، وَمَعْنَاهُ مُقَيَّدٌ بِالْمَشِيئَةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ فِي "الْآيَةِ" الْأُخْرَى: {لِمَنْ نُرِيد} ، وَإِلَّا فَهُوَ إِخْبَارٌ، وَالْأَخْبَارُ لَا يَدْخُلُهَا٣ النسخ.


١ كما يأتي مثاله بعد فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} مع قوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم} الآية. "د".
٢ أخرجه النحاس في "الناسخ والمنسوخ" "ص٢٥٤" بإسناد ضعيف، وقال: "والقول الآخر إنها غير منسوخة، وهو الذي لا يجوز غيره؛ لأن هذا خبر ... ".
وانظر: "الناسخ والمنسوخ" "٢/ ٣٥٥" لابن العربي، و"نواسخ القرآن" "٢١٩-٢٢٠" لابن الجوزي.
٣ أي: لا يدخل النسخ مدلول الخبر وثمرته إن كان مما لا يتغير؛ كالإخبار بوجود الإله وبصفاته؛ فدخول النسخ في هذا المدلول محال بإجماع، أما إذا كان مما يتغير كإيمان زيد وكفر عمرو؛ ففيه خلاف، والمختار جوازه، وأما نسخ تلاوة الخبر أو نسخ تكليفنا به كما إذا كلفنا بأن نخبر بشيء ثم ورد نسخ التكليف بذلك؛ فكل من هذين جائز لأنه من التكليف فيدخله النسخ، فانظر معنى الآية: هل هو مما يتغير فيدخله النسخ على المختار، أم لا يتغير فلا يدخله؟ وقالوا: إن من أمثلة ما لا يتغير أن تقول: أهلك الله زيدًا؛ لأنها حادثة واحدة تقع مرة واحدة؛ فلا يتأتى فيها التغيير، والتحقيق أن بعض الأخبار يجوز في مدلولها النسخ كما إذا كان الخبر عامًا؛ فيأتي الثاني يبين تخصيصه وقصره على البعض كما في الآية؛ إلا أنه يكون على اصطلاح المتقدمين لا اصطلاح الأصوليين، وكلامه في هذا. راجع "الإحكام" "٣/ ١٦٣" للآمدي. "د".

<<  <  ج: ص:  >  >>