للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَوْلِهِ: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الْكَهْفِ: ٢٩] ، وَقَوْلِهِ: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} [التَّكْوِيرِ: ٢٨] : إِنَّ ذَلِكَ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التَّكْوِيرِ: ٢٩] ، وَهَذِهِ الْآيَةُ إِنَّمَا جَاءَتْ فِي مَعْرِضِ التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ، وَهُوَ مَعْنَى لَا يَصِحُّ نَسْخُهُ؛ فَالْمُرَادُ١ أَنَّ إِسْنَادَ الْمَشِيئَةِ لِلْعِبَادِ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ، بَلْ هِيَ مُقَيَّدَةٌ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ٢.

وَقَالَ فِي قَوْلِهِ: {الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا} [التَّوْبَةِ: ٩٧] ، وَقَوْلِهِ: {وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا} [التَّوْبَةِ: ٩٨] : إِنَّهُ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ: {وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} الآية [التوبة: ٩٩] ٣، وهذا من


١ يستأنس بهذا لتصحيح النقص الذي أشرنا إليه في المسألة الثانية من المتشابه. "د".
٢ قال ابن العربي في "الناسخ والمنسوخ" "٢/ ٣٥٢" عند هذا الموطن: "وقد سقط فيها ابن حبيب لليدين والفم؛ حتى تكلم فيها بأمر لم تعلم حقيقته ولم تفهم"، ثم سرد قوله الذي ذكره المصنف، وقال: "وهذا جهل عظام، وخطب جسام؛ فإن الحقائق لا تنسخ لا سيما إذا كانت في العقائد، وقوله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} عقيدة حق، وكلمة صدق، ولم تزل الحقيقة كذلك ولا تزال، ولم يختلف قط هذا بحال حتى يمحى في حالة ويثبت في أخرى، كما أن قوله تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} ، وَقَوْلِهِ: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} عقيدة حق وكلمة صدق، متفقة متسقة، غير مختلفة ولا مفترقة"، وذكر نحو ما عند المصنف.
وانظر أيضا: "٢/ ٢٨٧"، و"نواسخ القرآن" "ص٢١٥".
٣ قال ابن العربي في "الناسخ والمنسوخ" "٢/ ٢٦١" عند هذا الموطن: "لقد مني ابن حبيب بالوهم أو بنقل ما لم يقل عنه، ومني بالرد ممن لا يعلم، قال بعضهم: وهذا خبر لا ينسخ، ومتى بلغنا إلى هذا الحد؟ وليست الآية في شيء من هذا الغرض، إنما سميت براءة: الفاضحة؛ لأنه لم يزل ينزل: ومنهم، ومنهم ... حتى ظننا أنها لا تبقي أحدا؛ فقال تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي} ، {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ} ، {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ} ، {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ} ، ومن الأعراب من يكره الغزو، يرى أن الذي ينفقه مغرم، ومنهم من يرى أن الذي ينفقه قربة ... "، ثم قال: "فأي نسخ في هذا لولا التسور على الدين، والتصور بصورة علماء المسلمين، والله ينصرنا بالحق، ويشرح صدورنا للعلم برحمته".
وانظر لزاما: "أحكام القرآن" "٢/ ١٠١١-١٠١٢" له.

<<  <  ج: ص:  >  >>