للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَخْبَارِ الَّتِي لَا يَصِحُّ نَسْخُهَا، وَالْمَقْصُودُ أَنَّ عموم١ الأعراب مخصوص فيمن٢ كَفَرَ دُونَ مَنْ آمَنَ.

وَقَالَ أَبُو عَبِيدٍ٣ وَغَيْرُهُ: إِنَّ قَوْلَهُ: {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ


١ أي: في الآية الأولى مخصوص بالآية الأخيرة، أما الآية الوسطى مع الأخيرة؛ فلا تعارض بينهما لأن كلا منهما صريح في بعض الأعراب؛ فلا يتوهم فيهما نسخ ولا تخصيص. "د".
٢ في "د": "بمن".
٣ سرد الآثار والأقوال في المسألة في كتابه "الناسخ والمنسوخ" "ص١٤٧-١٥٤"، ثم قال بعد أن ذكر أن شهادة التائب من القذف جائزة ما نصه: "وهذا قول أهل الحجاز جميعا، وأما أهل العراق؛ فيرون شهادته غير مقبولة أبدا وإن تاب، وكلا الفريقين إنما تأول فيما نرى الآية؛ فالذي لا يقبلها يذهب إلى أن الكلام انقطع من عند قوله: {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} ، ثم استأنف؛ فقال: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ، إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} ؛ فأوقع التوبة على الفسق خاصة دون الشهادة، وأما الآخرون؛ فذهبوا إلى أن الكلام بعضه معطوف على بعض، فقال: {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} ، ثم أوقعوا الاستثناء في التوبة على كل الكلام، ورأوا أنه منتظم له".
ثم قال: "والذي يختار هذا القول؛ لأن من قال به أكثر وأعلى، منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فمن وراءه مع أنه في النظر على هذا أصح، ولا يكون المتكلم بالفاحشة أعظم جرما من راكبها، ألا ترى أنهم لا يختلفون في العاهر أنه مقبول الشهادة إذا تاب؟ فراميه بها أيسر جرمًا إذا نزع عما قال وأكذب نفسه؛ لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وإذا قبل الله عز وجل التوبة من عبده كان العباد بالقبول أولى، مع أن مثل هذا الاستثناء موجود في مواضع من القرآن، من ذلك قوله عز وجل: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} ، ثم قال بعد ذلك: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} ؛ فليس يختلف المسلمون أن هذا الاستثناء ناسخ للآية من أولها، وأن التوبة لهؤلاء جميعا بمنزلة واحدة، وكذلك قوله عز وجل في الطهور حين قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} ، ثم قال: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} ؛ فصار التيمم لاحقا بمن وجب عليه الاغتسال كما لحق من وجب عليه الوضوء في سنة النبي صلى الله عليه وسلم حين أمر عمارا وأبا ذر بذلك، وعلى هذا المعنى تأول من رأى شهادة القاذف جائزة؛ لأنه كلام واحد بعضه معطوف على بعض وبعضه تابع بعضا، ثم انتظمه الاستثناء وأحاط به".

<<  <  ج: ص:  >  >>