للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ:

الْأَمْرُ بِالْمُطْلَقَاتِ١ يَسْتَلْزِمُ قَصْدَ الشَّارِعِ إِلَى إِيقَاعِهَا، كَمَا أَنَّ النَّهْيَ يَسْتَلْزِمُ قَصْدَهُ لِتَرْكِ إِيقَاعِهَا.

وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ اقْتِضَاءُ الْفِعْلِ وَاقْتِضَاءُ التَّرْكِ٢، وَمَعْنَى الِاقْتِضَاءِ الطَّلَبُ، وَالطَّلَبُ يَسْتَلْزِمُ٣ مَطْلُوبًا وَالْقَصْدُ٤ لِإِيقَاعِ ذَلِكَ الْمَطْلُوبِ، وَلَا مَعْنَى لِلطَّلَبِ إِلَّا هَذَا.

وَوَجْهٌ ثَانٍ أَنَّهُ لَوْ تُصُوِّرَ طَلَبٌ لَا يَسْتَلْزِمُ الْقَصْدَ لِإِيقَاعِ الْمَطْلُوبِ لَأَمْكَنَ٥ أَنْ يَرِدَ أَمْرٌ مَعَ الْقَصْدِ لِعَدَمِ إِيقَاعِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَأَنْ يَرِدَ النهي مَعَ الْقَصْدِ لِإِيقَاعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَبِذَلِكَ لَا يَكُونُ الْأَمْرُ أَمْرًا وَلَا النَّهْيُ نَهْيًا، هَذَا خُلْفٌ، وَلَصَحَّ٦ انْقِلَابُ الْأَمْرِ نَهْيًا وَبِالْعَكْسِ، وَلَأَمْكَنَ أَنْ يُوجَدَ أَمْرٌ أَوْ نَهْيٌ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إِلَى إِيقَاعِ فِعْلٍ أَوْ عَدِمَهُ٧؛ فَيَكُونُ الْمَأْمُورُ بِهِ أَوِ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ مُبَاحًا٨ أَوْ مسكوتا عن


١ انظر التقييد بالمطلقات؛ هل سببه أن الأمر دائما لا يكون إلا بمطلق، فيكون لبيان الواقع؟ "د".
قلت: انظر "مجموع فتاوى ابن تيمية" "٢٢/ ٥٢٩-٥٣٠".
٢ أي: أو الكف، على الخلاف في معنى النهي. "د".
٣ أي: لأنه معنى نسبي لا يتحقق إلا بطالب ومطلوب. "د".
٤ هو عين الدعوى. "د".
٥ لأن فرض ذلك حينئذ لا يكون محالا؛ فيتحقق حينئذ معنى الإمكان. "د".
٦ لازم لقوله: "لأمكن ... إلخ"؛ فقد رتب على هذا الفرض في هذا الوجه ثلاثة لوازم باطلة: ألا يكون الأمر أمرا، وهو سلب الشيء عن نفسه، وانقلاب كل من الأمر والنهي إلى الآخر، وهو قلب الحقائق، والثالث أن يكون الْمَأْمُورُ بِهِ أَوِ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ مُبَاحًا أَوْ مسكوتًا عن حكمه، وهو قلب للحقيقة أيضا. "د".
٧ في "م": "وعدمه".
٨ أي: إن اعتبر الأمر المذكور دليلًا شرعيًا لا قصد فيه لإيقاع الفعل ولا عدمه، وهذا هو حقيقة المباح، وقوله: "أو مسكوتًا عنه"؛ أي: إذا لم يعتبر دليلًا شرعيا رأسًا، وهذا الثاني توسيع في الغرض، وإلا؛ فأصل الكلام أن هناك صيغة لم يقصد بها إيقاع الفعل ولا عدمه، وهذا هو المباح لا غير، ومحل اللازم المحال قوله: "فيكون المأمور به أو المنهي عنه ... إلخ".

<<  <  ج: ص:  >  >>