للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِي:

أَنَّ مِثْلَ١ هَذَا يَلْزَمُ فِي السَّيِّدِ إِذَا أَمَرَ عَبْدَهَ بِحَضْرَةِ مَلِكٍ قَدْ تَوَعَّدَ السَّيِّدَ عَلَى ضَرْبِ عَبْدِهِ، زَاعِمًا أَنَّهُ لَا يُطِيعُهُ، وَطَلَبَ تَمْهِيدَ عُذْرِهِ بِمُشَاهَدَةِ الْمَلِكِ؛ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ الْعَبْدَ وَهُوَ غَيْرُ قَاصِدٍ لِإِيقَاعِ الْمَأْمُورِ بِهِ لِأَنَّ الْقَصْدَ هُنَا يَسْتَلْزِمُ قَصْدَهُ لِإِهْلَاكِ نَفْسِهِ، وَذَلِكَ٢ لَا يَصْدُرُ مِنَ الْعُقَلَاءِ؛ فَلَمْ يَصِحَّ أَنْ يَكُونَ قَاصِدًا وَهُوَ آمِرٌ، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ؛ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ كُلُّ آمِرٍ قَاصِدًا لِلْمَأْمُورِ بِهِ، وَكَذَلِكَ النَّهْيُ حَرْفًا بِحَرْفٍ٣، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.

وَالثَّالِثُ:

أَنَّ هَذَا لَازِمٌ فِي أَمْرِ التَّعْجِيزِ، نَحْوَ {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ} [الْحَجِّ: ١٥] ، وَفِي أَمْرِ التَّهْدِيدِ نَحْوَ: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فُصِّلَتْ: ٤٠] ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؛ إِذْ مَعْلُومٌ أَنَّ الْمُعْجِزَ وَالْمُهَدِّدَ غَيْرُ قَاصِدٍ لِإِيقَاعِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي تِلْكَ الصِّيغَةِ.

فَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْقَصْدَ إِلَى إِيقَاعِ مَا لَا يُطَاقُ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنَ الْقَصْدِ إِلَى ذَلِكَ حُصُولُهُ؛ إِذِ الْقَصْدُ إِلَى الْأَمْرِ٤ بِالشَّيْءِ لَا يَسْتَلْزِمُ إِرَادَةَ الشَّيْءِ، إِلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الْأَمْرَ إِرَادَةُ الفعل، وهو رأي المعتزلة٥،


١ إنما قال "مثله"؛ لأنه مما يطاق، غاية ما فيه أنه لا يصدر عن العقلاء وإن أمكن؛ إلا أنه يشارك الأول في أن كلا لا يصدر عن العاقل. "د".
٢ عورض هذا بأنه لا يصدر عن العاقل أيضا طلب تكذيب نفسه المؤدي لإهلاك نفسه في تصوير هذا، مع أنهم اتفقوا جميعا على دلالة الأمر على الطلب، وأنه لا ينفك عنه، وإن اختلفوا في استلزامه الإرادة؛ فما هو جوابهم فهو جوابنا. "د".
٣ أي: في الإشكالين جميعا. "د".
٤ أي: الذي يستلزم قصد إيقاعه لا يستلزم إرادة حصوله، ولا يخفى عليك أن لفظ القصد هنا ليس هو محل القصد في موضوع المسألة؛ لأنه في موضوع المسألة واقع على المطلوب، لا على نفس الأمر؛ فلا يشتبه عليك، ولو حذفه؛ لكان أظهر، وقد سبق نظيره. "د".
٥ يقولون: إن الإرادة تستلزم الأمر والرضا والمحبة. "د".

<<  <  ج: ص:  >  >>