للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الْأَشَاعِرَةُ؛ فَالْأَمْرُ عِنْدَهُمْ غَيْرُ مُسْتَلْزِمٍ لِلْإِرَادَةِ، وَإِلَّا وَقَعَتِ١ الْمَأْمُورَاتُ كُلُّهَا.

وَأَيْضًا، لَوْ فُرِضَ فِي تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ عَدَمُ الْقَصْدِ إِلَى إِيقَاعِهِ؛ لَمْ يَكُنْ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ إِلْزَامُ فِعْلِ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى فِعْلِهِ، وَإِلْزَامُ الْفِعْلِ هُوَ الْقَصْدُ إِلَى أَنْ يَفْعَلَ أَوْ لَازَمَ الْقَصْدَ إِلَى أن يفعل، فإذا عدم٢ ذَلِكَ؛ فَلَا تَكْلِيفَ بِهِ؛ فَهُوَ طَلَبٌ لِلتَّحْصِيلِ٣ لَا طَلَبٌ لِلْحُصُولِ، وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ وَاضِحٌ.

وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي جَمِيعِ الْأَسْئِلَةِ، فَإِنَّ السَّيِّدَ إِذَا أَمَرَ عَبْدَهُ؛ فَقَدْ طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يُحَصِّلَ٤ مَا أَمَرَ بِهِ، وَلَمْ يَطْلُبْ حُصُولَ مَا أَمَرَهُ بِهِ، وَفَرْقٌ بَيْنَ طَلَبِ التَّحْصِيلِ وَطَلَبِ الحصول.


١ أي: أو لم يقع ما يريده منها؛ فلم يقع مراد الله ووقع مراد عبده، ولا تخفى شناعته وإن التزمه المعتزلة. "د".
٢ كذا في "ط"، وفي غيره: "علم"، وقال "د": "لعل الأصل: "عدم" بالدال؛ أي: فحيث كان تكليف ما لا يطاق هو إلزام المكلف به، وإلزام الفعل هو قصد أن يفعل، فحيث يعدم القصد؛ فلا تكليف، وهو خلاف الفرض".
٣ وتكون فائدة التكليف ابتلاء الشخص واختباره بتوجهه لمبادئ الامتثال أو عدم توجهه، وكان حقه أن يذكر هذا؛ لأنه في الحقيقة هو الجواب عن لزوم العبث، وأما كون حصوله غير مقصود؛ فهو مما يقوي العبث لا أنه يزيله ويدفعه. "د".
٤ لا يخفى عليك ضعف هذا الجواب لأنه لا يطلب تحصيله أيضا؛ لأن العاقل لا يطلب تحصيل ما فيه هلاكه بمقتضى تصويره المسألة؛ فالأحسن ما قالوه، وهو أن هذا صيغة أمر لا حقيقته كما في أمر التعجيز والإباحة، ثم وجدت الاعتراض مقررا في المسألة من جانب المعتزلة بأن العاقل لا يطلب ما فيه مضرته وتحقيق عقابه؛ فما يكون جواب أصحابنا عند تفسير الأمر بالطلب يكون جوابًا للمعتزلة عن تفسيره بالإرادة، وإن كانت الإرادة عندهم يلزم في تخلف مرادها شناعة، انظر تقريره في "الإحكام" للآمدي [٢/ ١١٩] . "د".

<<  <  ج: ص:  >  >>