للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجَاءَ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ١ أَنَّ مَنْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ نَاسِيًا؛ فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ إِلَّا اسْتِحْسَانًا، وَمَنْ صَلَّى بِهَا عَامِدًا أَعَادَ أَبَدًا مِنْ حَيْثُ خَالَفَ الْأَمْرَ الْحَتْمَ؛ فَأَوْقَعَ عَلَى إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ لَفْظَ: "السُّنَّةِ" اعْتِمَادًا عَلَى الْوَازِعِ الطَّبِيعِيِّ٢ وَالْمَحَاسِنِ الْعَادِيَّةِ، فَإِذَا خَالَفَ٣ ذَلِكَ عَمْدًا رَجَعَ إِلَى الْأَصْلِ٤ مِنَ الطَّلَبِ الْجَزْمِ؛ فَأَمَرَ بِالْإِعَادَةِ أَبَدًا.

وَأَبْيَنُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَمْ يأتِ نَصٌّ جَازِمٌ فِي طَلَبِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَاللِّبَاسِ الْوَاقِي مِنَ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، وَالنِّكَاحِ الَّذِي بِهِ بَقَاءُ النَّسْلِ، وَإِنَّمَا جَاءَ ذِكْرُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي مَعْرِضِ الْإِبَاحَةِ أَوِ النَّدْبِ؛ حَتَّى إِذَا كَانَ الْمُكَلَّفُ فِي مَظِنَّةِ مُخَالَفَةِ الطَّبْعِ أُمِرَ٥ وأبيح له المحرم، إلى أشباه ذلك.


= وما يخاف منه والخبيث، ١٠/ ٢٤٧/ رقم ٥٧٧٨"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب الإيمان باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه، ١/ ١٠٣/ رقم ١٠٩" عن أبي هريرة مرفوعًا: "من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن قتل نفسه بسم فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا".
وأخرج البخاري في "صحيحه" "كتاب الإيمان، باب من حلف بملة سوى الإسلام، ١١/ ٥٣٧/ رقم ٦٦٥٢"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب الإيمان، باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه، ١/ ١٠٤/ رقم ١١٠" عن ثابت بن الضحاك مرفوعًا، وذكر حديثًا في آخره: "ومن قتل نفسه بشيء عذبه الله به يوم القيامة".
قال "ف": "فويل لمن يحمله ضعف الدين والهمة على ارتكاب رذيلة الانتحار الفاشية في هذا العصر".
١ انظر: "المدونة الكبرى" "١/ ٢٢"، و"عقد الجواهر الثمينة" "١/ ١٨-١٩".
٢ في "ط": الطبعي.
٣ في "ط": "وخولف".
٤ أي: مقصود الشارع في الواقع ونفس الأمر، وإن لم يوجه فيه الخطاب الجزم اعتمادًا على الباعث النفسي عند المكلف. "د".
٥ بخطاب النهي عن الضد: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة} كما هو أحد التفاسير في الآية، وقوله: "وأبيح له المحرم" كأكل الميتة. "د".

<<  <  ج: ص:  >  >>