للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

.................................................


= والأرض، وأن واحدا من الجند كجبريل الذي أراه له قبل ذلك١ على هيئته الأصلية يستطيع سحق الأرض ومن عليها، بعد هذا كله جاء له الأمر الحتم بالتبليغ مع قرنه بالتأييد على ما عرفت، وقد سبق للمؤلف أنه لا ينحصر التسبب في الأسباب المشهورة، وأنه ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا لم يجد قوتا أمر أهله بالصلاة"٢ أخذا من قوله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ ... } [طه: ١٣٢] ، وأن ذلك سبب خاص للرزق من باب الكرامة له عليه السلام وهو يحقق ما قلناه في الدليل الأول؛ فلا تؤخذ الآية عامة للاستدلال بها على ما يريد؛ فكيف يعد هذا مما نحن فيه، وأنه مع دواعي خوفه وعدم استكمال الشروط أو الأسباب بلغ الرسالة؛ لكنه لو قال: إنه في تبليغ الرسالة زاد عما طلب منه؛ فكان شديد الحرص على إيمان قومه وتلبية دعوته، وكان يعمل لذلك فوق الجهد والطاقة، ويألم أشد الألم لعدم مسارعتهم إلى الإيمان وإجابة الدعوة؛ حتى وردت الآيات لتخفف عنه ما كان يجد مثل: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [الشعراء: ٣] ، {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} [المائدة: ٩٩] ، وأمثال ذلك، وقد لاحظ صلى الله عليه وسلم أصل الأمر بالدعوة جادا فيه معرضا عما سوى ذلك، نعم، هذا هو الذي يصح أن يعد دليلا على مدعاه، وآية: {وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ} [الأحزاب: ٣٩] تؤيد ما ذكرنا؛ فإن عدم خشية غيره تعالى ما جاء إلا من التأييد بالقوة التي عرفوها واطمأنوا إليها مع الوعد بذلك؛ ألا ترى إلى موسى عليه السلام لما عرضت عليه الرسالة لفرعون طلب أولا تقويته بهارون الأفصح منه، وأنه يخاف قتله قصاصا لمن قتله من قوم فرعون، فلما ضم إليه هارون؛ قالا معا: {إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى} [طه: ٤٥] ، فلما سمعا التأييد بقوله تعالى: {لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: ٤٦] سارعا إلى تنفيذ المطلوب بدون خوف من جند فرعون وصولته، وقول هود: {فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ} [هود: ٥٥] أبلغ دليل على أنه مأمور عالم أنه مؤيد غاية التأييد؛ فليس مما نحن فيه أيضًا، وإلا لكان إلقاء باليد إلى التهلكة بدون موجب، وليس هناك فائدة تعود على هداية قومه التي ندبه الله لها من تسليط أمته بأجمعها على كيده والفتك به، نعم، إن مسألتي ابن أم مكتوم وجندع بن ضمرة وأخيه٣ مما نحن فيه؛ فإنهم أخذوا بالأمر: {قَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} [التوبة: ٣٦] بدون نظر إلى الرخصة في قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [الفتح: ١٧] ، وذلك داخل في الرخصة بالإطلاق الأول المشهور؛ إذ أن ذلك جاء بلفظ رفع الحرج أي مع بقاء أصل الطلب متوجها وإن لم يكن حتما. "د".

<<  <  ج: ص:  >  >>