للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَيْضًا، فَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ نَبَّهُوا عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، وَأَنَّ مَا لَا يَخْطُرُ بِبَالِ الْمُتَكَلِّمِ عِنْدَ قَصْدِهِ التَّعْمِيمَ إِلَّا بِالْإِخْطَارِ لَا يُحْمَلُ لَفْظُهُ عَلَيْهِ، إِلَّا مَعَ الْجُمُودِ عَلَى مُجَرَّدِ١ اللَّفْظِ، وَأَمَّا الْمَعْنَى؛ فَيَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا لِلْمُتَكَلِّمِ؛ كَقَوْلِهِ, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ؛ فَقَدْ طَهُرَ" ٢.

قَالَ الْغَزَالِيُّ٣: "خُرُوجُ الْكَلْبِ عَنْ ذِهْنِ الْمُتَكَلِّمِ وَالْمُسْتَمِعِ عِنْدَ التَّعَرُّضِ لِلدِّبَاغِ لَيْسَ بِبَعِيدٍ، بَلْ هُوَ الْغَالِبُ الْوَاقِعُ، وَنَقِيضُهُ هُوَ الْغَرِيبُ الْمُسْتَبْعَدُ".

وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ أَيْضًا، وَهُوَ مُوَافِقٌ٤ لِقَاعِدَةِ الْعَرَبِ، وَعَلَيْهِ يحمل كلام الشارع بلا بد.


١ أي: باعتبار أصل الوضع، أما مع مراعاة المعنى والقرائن ومقتضى الحال، فما لا يخطر بالبال لا يصح أن يعد داخلًا، فلا يحتاج إلى إخراج؛ فلا تخصيص. "د".
٢ أخرجه مسلم في "صحيحه" "كتاب الحيض، باب طهارة جلود الميتة بالدباغ، ١/ ٢٧٧/ رقم ٣٦٦" عن ابن عباس مرفوعًا بلفظ: "إذا دبغ ... ".
وقد وهم بعضهم؛ فنسبه لمسلم بلفظ: "أيما إهاب ... "؛ كما تراه مبسوطًا في "نصب الراية" "١/ ١١٦"، و"تحفة الأشراف" "٥/ ٥٣"، وقد خرجته بإسهاب في تعليقي على "الخلافيات" للإمام البيهقي "١/ ١٩٤-١٩٨"، فراجعه إن أردت الاستزادة.
٣ يريد الغزالي أن استثناء الشافعي لجلد الكلب من الطهارة بالدباغ لا يحتاج إلى مخصص منفصل ولا متصل، وهو يؤيد الأصل الذي يعمل المؤلف لإثباته هنا. "د".
قلت: انظر "المستصفى" "٢/ ٦٠".
٤ وقد يعد من ذلك مثل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ ... } إلى أن قال: {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: ١٠] ، مع أن من شروط المعاهدة أن من جاء إلى المسلمين يرد إلى الكفار، وهو لفظ عام يشمل النساء بحسب أصل الوضع الإفرادي، ولا يقال: إن التخصيص ورد على النبي -صلى الله عليه وسلم- لأن التخصيص في معاهدة مثل هذا لا يكون إلا برضا الطرفين واطلاعهما، حتى إنهم لما لم يرضوا عن تخصيص أبي جندل؛ لم يقبله -صلى الله عليه وسلم- ولما قبل النساء المؤمنات لم يبد منهم اعتراض، وذلك دليل على أن خروج النساء عن ذهن المتعاقدين كافٍ، مع =

<<  <  ج: ص:  >  >>