للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ قِيلَ: إِذَا ثَبَتَ أَنَّ اللَّفْظَ الْعَامَّ يَنْطَلِقُ١ عَلَى جَمِيعِ مَا وُضِعَ لَهُ فِي الْأَصْلِ حَالَةَ الْإِفْرَادِ، فَإِذَا حَصَلَ التَّرْكِيبُ وَالِاسْتِعْمَالُ؛ فَإِمَّا أَنْ تَبْقَى دَلَالَتُهُ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ حَالَةَ الِانْفِرَادِ٢، أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ٣؛ فَهُوَ مُقْتَضَى وَضْعِ اللَّفْظِ، فَلَا إِشْكَالَ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي؛ فَهُوَ تَخْصِيصٌ لِلَّفْظِ الْعَامِّ، وكل تخصيص لا بد لَهُ مِنْ مُخَصِّصٍ عَقْلِيٍّ أَوْ نَقْلِيٍّ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَهُوَ مُرَادُ الْأُصُولِيِّينَ.

وَوَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الْعَرَبَ٤ حَمَلَتِ اللَّفْظَ عَلَى عُمُومِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَدِلَّةِ الشَّرِيعَةِ، مَعَ أَنَّ مَعْنَى٥ الْكَلَامِ يَقْتَضِي عَلَى مَا تَقَرَّرَ خِلَافَ مَا فَهِمُوا، وَإِذَا كَانَ فَهْمُهُمْ فِي سِيَاقِ الِاسْتِعْمَالِ مُعْتَبَرًا [فِي التَّعْمِيمِ] ٦ حَتَّى يَأْتِيَ دَلِيلُ التَّخْصِيصِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي دَلَالَةِ اللَّفْظِ حَالَةَ الْإِفْرَادِ عِنْدَهُمْ، بِحَيْثُ صَارَ كَوَضْعٍ ثانٍ، بَلْ هُوَ باقٍ عَلَى أَصْلِ وَضْعِهِ، ثُمَّ التَّخْصِيصُ آتٍ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ بدليل متصل أو منفصل.


= أن الوضع الإفرادي يشملهن، وما هذا إلا من تعويلهم على مقتضى الحال وما يفهم بالقرائن، ولا ينافي ذلك أنه لما جاءت أم كلثوم بنت عقبة بن معيط إليه -صلى الله عليه وسلم- مهاجرة بعد عقد الهدنة خرج أخواها عمار والوليد إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليردها؛ فلم يردها، ونزلت الآية في ذلك، لا ينافي هذا ما قلنا؛ لأنهم لم يعترضوا بدخولهما في عقد الهدنة بلفظ: "من جاء" الشاملة وضعًا للنساء، كما اعترضوا في أبي جندل والموضع يحتاج إلى شيء من الدقة، وبهذا يتخلص من بعض ما قيل في كتب التفسير في هذه الآية. "د".
١ كذا في جميع الأصول، ولعلها "ينطبق".
٢ في "ط": "الإفراد".
٣ كما في قوله: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم} ؛ فليس محل إشكال ولا نزاع. "د".
٤ أخذ عنوان "العرب" ولم يقل الصحابة مثلًا؛ لما سيجيء في آية: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُون ... } إلخ، وليتأتى انفصاله وتميزه عن الاعتراض الآتي في الفصل في قوله: "فلقائل أن يقول: إن السلف الصالح ... إلخ". "د".
٥ يأتي إيضاح هذه الجملة في قوله بعد: "إلى أشياء كثيرة سياقها يقتضي بحسب المقصد الشرعي ... إلخ". "د".
٦ سقطت من "ط".

<<  <  ج: ص:  >  >>