للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِثَالُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} الْآيَةَ [الأنعام: ٨٢] ؛ شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَقَالُوا: أَيُّنَا لَمْ يَلْبِسْ إِيمَانَهُ بِظُلْمٍ١؟ فَقَالَ, عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "إِنَّهُ لَيْسَ بِذَاكَ، أَلَا تَسْمَعُ إِلَى قَوْلِ لُقْمَانَ: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} " [لُقْمَانَ: ١٣] ٢، وَفِي رِوَايَةٍ٣: "فَنَزَلَتْ: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} " [لُقْمَانَ: ١٣] .

وَمِثْلُ٤ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الْأَنْبِيَاءِ: ٩٨] قَالَ بَعْضُ الْكُفَّارِ: فَقَدْ عُبِدَتِ الْمَلَائِكَةُ، وَعُبِدَ الْمَسِيحُ، فَنَزَلَ: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى} ٥ الْآيَةَ [الْأَنْبِيَاءِ: ١٠١] .

إِلَى أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ سِيَاقُهَا يَقْتَضِي بِحَسَبِ الْمَقْصِدِ الشَّرْعِيِّ عُمُومًا أَخَصَّ مِنْ عُمُومِ اللَّفْظِ، وَقَدْ فَهِمُوا فِيهَا مُقْتَضَى اللَّفْظِ وَبَادَرَتْ أَفْهَامُهُمْ فِيهِ٦، وَهُمُ الْعَرَبُ الَّذِينَ نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلِسَانِهِمْ، وَلَوْلَا أَنَّ الِاعْتِبَارَ عِنْدَهُمْ مَا وُضِعَ٧ لَهُ اللَّفْظُ فِي الْأَصْلِ؛ لَمْ يَقَعْ مِنْهُمْ فَهْمُهُ.

فَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّا إِذَا اعْتَبَرْنَا الِاسْتِعْمَالَ الْعَرَبِيَّ؛ فَقَدْ تَبْقَى دَلَالَتُهُ الْأُولَى وَقَدْ لَا تَبْقَى، فَإِنْ بَقِيَتْ فَلَا تَخْصِيصَ، وَإِنْ لَمْ تَبْقَ دَلَالَتُهُ؛ فَقَدْ صَارَ لِلِاسْتِعْمَالِ اعْتِبَارٌ آخَرُ لَيْسَ لِلْأَصْلِ، وَكَأَنَّهُ وَضْعٌ ثَانٍ حَقِيقِيٌّ لا مجازي، وربما


١ أي: فقد أبقوا اللفظ على عمومه الذي كان له في الإفراد، ولم يتغير معناه عند استعماله، حتى احتاجوا إلى المخصص وهو قوله: "ليس بذاك ... إلخ"، مع أن سياق الآية وما قبلها من الآيات في أهل الشرك. "د".
٢ مضى تخريجه "٣/ ٤٠٢"، وهو في "الصحيحين" عن ابن مسعود, رضي الله عنه.
٣ الرواية الأولى أقعد في الفهم، وأوضح في الغرض. "د".
٤ في الأصل: "ومثال".
٥ مضى تخريجه "٣/ ٣٦٢".
٦ في "ط": "إليه".
٧ لعله: "لما وضع". "ف".

<<  <  ج: ص:  >  >>