للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِحَسَبِ تَقْرِيرِ قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ نِسْبَةَ الْوَضْعِ الشَّرْعِيِّ إِلَى مُطْلَقِ الْوَضْعِ الِاسْتِعْمَالِيِّ الْعَرَبِيِّ كَنِسْبَةِ الْوَضْعِ فِي الصِّنَاعَاتِ الْخَاصَّةِ إِلَى الْوَضْعِ الْجُمْهُورِيِّ؛ كَمَا نَقُولُ فِي الصَّلَاةِ: إِنَّ أَصْلَهَا الدُّعَاءُ لُغَةً، ثُمَّ خُصَّتْ فِي الشَّرْعِ بِدُعَاءٍ مَخْصُوصٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ، وَهِيَ فِيهِ حَقِيقَةٌ لَا مَجَازٌ؛ فَكَذَلِكَ نَقُولُ فِي أَلْفَاظِ الْعُمُومِ بِحَسَبِ الِاسْتِعْمَالِ الشَّرْعِيِّ: إِنَّهَا إِنَّمَا تَعُمُّ [الذِّكْرَ] بِحَسَبِ مَقْصِدِ الشَّارِعِ فِيهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مِثْلُ الدَّلِيلِ عَلَى الْوَضْعِ الِاسْتِعْمَالِيِّ الْمُتَقَدِّمِ الذِّكْرِ، وَاسْتِقْرَاءُ مَقَاصِدِ الشَّارِعِ يُبَيِّنُ ذَلِكَ، مَعَ مَا يَنْضَافُ إِلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ إِثْبَاتِ الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ.

فَأَمَّا الْأَوَّلُ؛ فَالْعَرَبُ فِيهِ شَرَعٌ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ.

وَأَمَّا الثَّانِي؛ فَالتَّفَاوُتُ فِي إِدْرَاكِهِ حَاصِلٌ؛ إِذْ لَيْسَ الطَّارِئُ الْإِسْلَامِ مِنَ الْعَرَبِ فِي فَهْمِهِ كَالْقَدِيمِ الْعَهْدِ، وَلَا الْمُشْتَغِلُ بِتَفَهُّمِهِ وَتَحْصِيلِهِ كَمَنْ لَيْسَ فِي تِلْكَ الدَّرَجَةِ، وَلَا الْمُبْتَدِئُ فِيهِ كَالْمُنْتَهِي {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [الْمُجَادَلَةِ: ١١] ؛ فَلَا مَانِعَ مِنْ تَوَقُّفِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ فِي بَعْضِ مَا يُشْكِلُ أَمْرُهُ، وَيَغْمُضُ وَجْهُ الْقَصْدِ الشَّرْعِيِّ فِيهِ؛ حَتَّى إِذَا تَبَحَّرَ فِي إِدْرَاكِ مَعَانِي الشَّرِيعَةِ نَظَرُهُ، وَاتَّسَعَ فِي مَيْدَانِهَا بَاعُهُ؛ زَالَ عَنْهُ مَا وَقَفَ مِنَ الْإِشْكَالِ١ وَاتَّضَحَ لَهُ الْقَصْدُ الشَّرْعِيُّ عَلَى الْكَمَالِ، فَإِذَا تَقَرَّرَ وَجْهُ الِاسْتِعْمَالِ؛ فَمَا ذُكِرَ مِمَّا تَوَقَّفَ فِيهِ بَعْضُهُمْ رَاجِعٌ إِلَى هَذَا الْقَبِيلِ، وَيُعَضِّدُهُ مَا فرضه الأصوليون من وضع


١ في "ط": "الاتصال".

<<  <  ج: ص:  >  >>