للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبِالْجُمْلَةِ، فَجَوَابُهُمْ بَيَانٌ لِعُمُومَاتِ تِلْكَ النُّصُوصِ كَيْفَ وَقَعَتْ فِي الشَّرِيعَةِ، وَإِنَّ ثَمَّ قَصَدًا آخَرَ سوى القصد العربي١ لا بد مِنْ تَحْصِيلِهِ، وَبِهِ يَحْصُلُ فَهْمُهَا، وَعَلَى طَرِيقِهِ يَجْرِي سَائِرُ الْعُمُومَاتِ، وَإِذْ ذَاكَ لَا يَكُونُ ثَمَّ تَخْصِيصٌ بِمُنْفَصِلٍ٢ أَلْبَتَّةَ، وَاطَّرَدَتِ الْعُمُومَاتُ قَوَاعِدَ صَادِقَةَ الْعُمُومِ، وَلِنُورِدْ هُنَا فَصْلًا هُوَ مَظِنَّةٌ لِوُرُودِ الْإِشْكَالِ٣ عَلَى مَا تَقَرَّرَ، وَبِالْجَوَابِ عَنْهُ يتضح المطلوب اتضاحًا أكمل.


١ أي: العربي البحت الذي لم يستند إلى تعرف مقاصد الشرع، والوقوف على مقتضى الحال من مثل سبب النزول، والرجوع إلى كليات الشريعة لفقه جزئياتها من الأدلة بمقارنتها للكليات، وهكذا سائر القرائن التي تعين على فهم المقصود من الألفاظ، وتكشف عن المراد منها وما استعملت فيه في الآية؛ فتكون تلك القرائن كبيان للمجمل، لا تخصيص وإخراج لبعض ما أريد من اللفظ. "د".
٢ وسيأتي أنه لا تخصيص بالمتصل أيضًا. "د".
٣ الإشكال في هذا الفصل وارد على الجواب عن الإشكال السابق القائل: إن العرب حملت الألفاظ على عمومها الإفرادي، مع أن سياق الاستعمال يقتضي خلاف ما فهموا؛ فقد أجاب عنه بأن فهم عموم الاستعمال متوقف على فهم المقاصد فيه، وأن فهم المقصد الشرعي مما يتفاوت الأمر فيه بين الطارئ الإسلام والقديم العهد، والمشتغل بتفهمه وتحصيله ومن ليس كذلك، فمن تبحر أدرك الاستعمال الشرعي ومقصد الشارع على الكمال فتوقف الصحابة في مثل آية: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: ٨٢] إنما هو هو راجع إلى ذلك، لأن الآية في الأنعام وهي من أول ما أنزل، ولم تكن كليات الشريعة قد تم تقريرها؛ فهذا هو عذرهم في التوقف، ويريد بهذا الفصل أن يورد على هذا الجواب أنه غير حاسم للإشكال؛ لأن السلف الصالح المتبحرين في فهم مقاصد الشريعة كعمر بن الخطاب، ومعاوية، وعكرمة، وابن عباس، وغيرهم من الأئمة المجتهدين، أخذوا بعموم الألفاظ، وإن كان سياق الاستعمال ومقتضيات الأحوال تعارض هذا العموم، وما ذاك إلا لأن المعتبر عندهم هو العموم الإفرادي؛ فتكون هذه الأمثلة المذكورة في هذا الفصل وغيره مما خص بالمنفصل، لا أنها مما وضع في الاستعمال الشرعي على العموم، وأن عمومها باق لم يمسه تخصيص كما تقول، وبهذا يتبين الفرق بين الإشكال والجواب هنا وبين ما تقدم، وأن قوله: "والجواب عنه" معطوف على لفظ: "ما"؛ فالإشكال الآتي وارد على ما قرره في رأس المسألة ووارد على الجواب عنه بما تقدم كما عرفت، قوله: "يتضح" واقع في جواب الأمر، ولا مانع أن يكون سقط الباء من قوله: "والجواب" كما قاله بعضهم، وإن جعله هو الصواب. "د".
قلت: يريد بقوله: "بعضهم": "ف"؛ فإن العبارة هذه: "والجواب عنه" وقال: "صوابه: "وبالجواب عنه"".

<<  <  ج: ص:  >  >>