للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ:

عُمُومَاتُ الْعَزَائِمِ وَإِنْ ظَهَرَ بِبَادِئِ الرَّأْيِ أَنَّ الرُّخَصَ تُخَصِّصُهَا١؛ فَلَيْسَتْ بِمُخَصِّصَةٍ لَهَا فِي الْحَقِيقَةِ، بَلِ الْعَزَائِمُ بَاقِيَةٌ عَلَى عُمُومِهَا، وَإِنْ أُطْلِقَ عَلَيْهَا أَنَّ الرُّخَصَ خَصَّصَتْهَا؛ فَإِطْلَاقٌ مَجَازِيٌّ لَا حَقِيقِيٌّ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ حَقِيقَةَ الرُّخْصَةِ؛ إِمَّا أَنْ تَقَعَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا لَا يُطَاقُ، أَوْ لَا.

فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَلَيْسَتْ بِرُخْصَةٍ فِي الْحَقِيقَةِ؛ إِذْ لَمْ يُخَاطَبْ بِالْعَزِيمَةِ مَنْ لَا يُطِيقُهَا، وَإِنَّمَا يُقَالُ هُنَا: إِنَّ الْخِطَابَ بِالْعَزِيمَةِ مَرْفُوعٌ مِنَ الْأَصْلِ بِالدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى رَفْعِ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ؛ فَانْتَقَلَتِ الْعَزِيمَةُ إِلَى هَيْئَةٍ أُخْرَى، وَكَيْفِيَّةٍ مُخَالِفَةٍ لِلْأَوْلَى كَالْمُصَلِّي لَا يُطِيقُ الْقِيَامَ؛ فَلَيْسَ بِمُخَاطَبٍ بِالْقِيَامِ، بَلْ صَارَ فَرْضُهُ الْجُلُوسَ أَوْ عَلَى جَنْبٍ أَوْ ظَهْرٍ، وَهُوَ الْعَزِيمَةُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي؛ فَمَعْنَى الرُّخْصَةُ فِي حَقِّهِ أَنَّهُ إِنِ انْتَقَلَ إِلَى الْأَخَفِّ؛ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ، لَا أَنَّهُ سَقَطَ٢ عَنْهُ فَرْضُ الْقِيَامِ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ [أَنَّهُ] ٣ إِنْ تَكَلَّفَ فَصَلَّى قَائِمًا؛ [فَإِمَّا] ٣ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ أَدَّى الْفَرْضَ عَلَى كَمَالِ الْعَزِيمَةِ، أَوْ لَا؛ فَلَا يَصِحُّ٤ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ لَمْ يُؤَدِّهِ عَلَى كَمَالِهِ؛ إِذْ قَدْ سَاوَى فِيهِ الصَّحِيحَ الْقَادِرَ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ؛ فَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا تَحَكُّمٌ مِنْ غَيْرِ دليل؛ فلا بد أَنَّهُ أَدَّاهُ عَلَى كَمَالِهِ، وَهُوَ مَعْنَى كَوْنِهِ داخلًا تحت عموم الخطاب بالقيام.


١ حتى يقال مثلًا: الظهر أربع إلا على المسافر، وصوم رمضان واجب إلا على المسافر، وهكذا؛ فتكون الرخص مخصصة لأدلة العزائم. "د".
٢ ويدل على عدم سقوطه قولهم في الرخصة: "مع قيام السبب للحكم الأصلي". "د".
٣ سقط من "ط".
٤ الأنسب ولا يصح، وهو إبطال للاحتمال الثاني لإثبات الأول. "ف".

<<  <  ج: ص:  >  >>