للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ قِيلَ: [إِذَا قُلْتَ] : إِنَّ الْعَزِيمَةَ مَعَ الرُّخْصَةِ مِنْ [بَابِ] ١ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ؛ فَأَيُّ الْخَصْلَتَيْنِ فَعَلَ فَعَلَى حُكْمِ الْوُجُوبِ، وَإِذَا كَانَ [ذَلِكَ] كَذَلِكَ؛ فَعَمَلُهُ بِالْعَزِيمَةِ عَمَلٌ عَلَى كَمَالٍ، وَقَدِ ارْتَفَعَ عَنْهُ حُكْمُ الِانْحِتَامِ، وَذَلِكَ مَعْنَى تَخْصِيصِ عُمُومِ الْعَزِيمَةِ بِالرُّخْصَةِ؛ فَقَدْ تَخَصَّصَتْ عُمُومَاتُ الْعَزَائِمِ بِالرُّخَصِ عَلَى هَذَا٢ التَّقْرِيرِ؛ فَلَا يَسْتَقِيمُ الْقَوْلُ بِبَقَاءِ الْعُمُومَاتِ إِذْ ذَاكَ.

وَأَيْضًا٣، فَإِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ بَقَاءِ حُكْمِ الْعَزِيمَةِ وَمَشْرُوعِيَّةِ الرُّخْصَةِ جَمْعٌ بَيْنَ مُتَنَافِيَيْنِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى بَقَاءِ الْعَزِيمَةِ أَنَّ الْقِيَامَ فِي الصَّلَاةِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ حَتْمًا، وَمَعْنَى جَوَازِ التَّرَخُّصِ أَنَّ الْقِيَامَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ حَتْمًا، وَهُمَا قَضِيَّتَانِ مُتَنَاقِضَتَانِ، لَا تَجْتَمِعَانِ عَلَى مَوْضُوعٍ وَاحِدٍ؛ فَلَا يَصِحُّ الْقَوْلُ بِبَقَاءِ الْعُمُومِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ الْقِيَامُ فِي الصَّلَاةِ.

وَأَمْرٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ أَنَّ الرُّخْصَةَ قَدْ ثَبَتَ التَّخْيِيرُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَزِيمَةِ، فَلَوْ كَانَتِ الْعَزِيمَةُ هُنَا بَاقِيَةً عَلَى أَصْلِهَا مِنَ الْوُجُوبِ الْمُنْحَتِمِ؛ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَغَيْرِ الْوَاجِبِ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ ذَلِكَ مُحَالٌ لَا يُمْكِنُ؛ فَمَا أَدَّى إِلَيْهِ مِثْلُهُ.

فَالْجَوَابُ: أَنَّ الْعَزِيمَةَ مَعَ الرُّخْصَةِ لَيْسَتَا٤ مِنْ بَابِ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ إِذْ لَمْ يَأْتِ دَلِيلٌ ثَابِتٌ يَدُلُّ عَلَى حَقِيقَةِ التَّخْيِيرِ، بَلِ الَّذِي أَتَى فِي حَقِيقَةِ الرُّخْصَةِ أَنَّ مَنِ ارْتَكَبَهَا؛ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ خَاصَّةً، لَا أَنَّ الْمُكَلَّفَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْعَزِيمَةِ وَالرُّخْصَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ فِي فَصْلِ الْعَزَائِمِ وَالرُّخَصِ، وإذا ثبت


١ ما بين المعقوفتين سقط من "د".
٢ وكأنه يقول: الظهر تجب أربعًا وجوبًا منحتمًا إلا على المسافر؛ فإن أدى اثنتين أو أربعًا صح وارتفع انحتام الأربع الذي كان على غير المسافر، وهذا تخصيص لعموم دليل العزيمة. "د".
٣ هذا الوجه وما بعده مبنيان على الوجه الأول ومتوقفان عليه فمتى بطل بطلا، ولذا كان الجواب بإبطال الأول كافيًا في إبطال الاعتراضين، ويبقى الكلام على ما جعله المؤلف جوابًا عن الثاني ليدفع التناقض به وسيأتي ما فيه. "د". وفي "ط": "وأيضًا؛ فإن الجميع ... ".
٤ في "ط": "العزيمة بالرخصة ليست ... ".

<<  <  ج: ص:  >  >>