للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَقَائِعِ قَادِحًا فِي هَذِهِ الْإِفَادَةِ، فَكَذَلِكَ إِذَا فَرَضْنَا أَنَّ رَفْعَ الْحَرَجِ فِي الدِّينِ مَثَلًا مَفْقُودٌ فِيهِ صِيغَةُ عُمُومٍ؛ فَإِنَّا نَسْتَفِيدُهُ مِنْ نَوَازِلَ مُتَعَدِّدَةٍ خَاصَّةٍ، مُخْتَلِفَةِ الْجِهَاتِ مُتَّفِقَةٍ فِي أَصْلِ رَفْعِ الْحَرَجِ، كَمَا إِذَا وَجَدْنَا التَّيَمُّمَ شُرِعَ عِنْدَ مَشَقَّةِ طَلَبِ الْمَاءِ، وَالصَّلَاةَ قَاعِدًا عِنْدَ مَشَقَّةِ الْقِيَامِ١، وَالْقَصْرَ وَالْفِطْرَ فِي السَّفَرِ، وَالْجَمْعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السِّفْرِ وَالْمَرَضِ وَالْمَطَرِ، وَالنُّطْقَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ عِنْدَ مَشَقَّةِ الْقَتْلِ وَالتَّأْلِيمِ، وَإِبَاحَةَ الْمَيْتَةِ وَغَيْرِهَا عِنْدَ خَوْفِ٢ التَّلَفِ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ الْمَشَقَّاتِ، وَالصَّلَاةَ إِلَى أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ٣ لِعُسْرِ اسْتِخْرَاجِ الْقِبْلَةِ، وَالْمَسْحَ عَلَى الْجَبَائِرِ وَالْخُفَّيْنِ لِمَشَقَّةِ النَّزْعِ وَلِرَفْعِ الضَّرَرِ، وَالْعَفْوَ فِي الصِّيَامِ عَمَّا يَعْسُرُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ مِنَ الْمُفْطِرَاتِ كَغُبَارِ الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ، إِلَى جُزْئِيَّاتٍ كَثِيرَةٍ جِدًّا يَحْصُلُ مِنْ مَجْمُوعِهَا قَصْدُ الشَّارِعِ لِرَفْعِ الْحَرَجِ؛ فَإِنَّا نَحْكُمُ بِمُطْلَقِ رَفْعِ الْحَرَجِ فِي الْأَبْوَابِ كُلِّهَا، عَمَلًا٤ بِالِاسْتِقْرَاءِ، فَكَأَنَّهُ عُمُومٌ لَفْظِيٌّ، فَإِذَا ثبت اعتبار التواتر المعنوي؛


١ زاد في "د" هنا: "طلب" القيام، وليست في النسخ الأخرى.
٢ المراد بالإباحة: الإذن, وبخوف التلف ما هو أعم من موجب ألم المسغبة ألمًا شاقًّا، وإلا؛ فالإباحة بمعنى استواء الطرفين أو ما لا حرج فيه على ما تقدم له، إنما تكون لما يدفع المشقة الفادحة، لا ما يوجب التلف وإلا كان واجبًا. "د".
٣ في "د": "كان" وفي "ط": "وجهة كانت".
٤ جمع بين نتيجة الدليل الأول والثاني كما ترى لاشتباكهما هنا على ما قرره؛ فإنه جعل الاستقراء طريقًا لإثبات التواتر المعنوي، وذلك لأن هذه الجزئيات تتضمن الكلي المراد إثباته، ولتعددها وكثرة تنوعها يفهم منها ثبوت القدر المشترك، وإنما قال: "ثبت في ضمنه"، ولم يقل: ثبت ما نحن فيه؛ لأن ما هنا ليس تواترًا معنويًّا بالمعنى المعروف؛ كجود حاتم؛ لأن ذلك وصف لجزئي هو حاتم، فكل جزئية من أخبار كرمه تعود على هذا الوصف مباشرة بالإثبات، بخلاف إثبات العموم أو الكلي باستقراء الجزئيات؛ فليس كل جزئي مثبتًا لعموم العام مباشرة حتى يتكون من المجموع تواتر معنوي بالمعنى المعروف، بل ذلك إنما جاء من تضمن تلك الجزئيات للمعنى العام الكلي؛ فيفهم بسبب تعددها وتنوعها أن الحكم ليس لخصوصية في الجزئي، هذا توضيح كلامه، نقول: ومتى تم له هذا أمكن أن يقال في كل استقراء ولم جزئيًّا أنه تواتر معنوي بهذا المعنى، وقد يقال: إنه ينافي قولهم: إن الحاصل من التواتر علم جزئي من شأنه أن يحصل بالإحساس كوجود مكة مثلًا، فلذا لا يقع في العموم بالذات، لأن مسائلها كليات، ونحن نثبت به هنا كليًّا وعامًّا؛ فتأمل. "د".

<<  <  ج: ص:  >  >>