للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَوْلِ أَبَدًا، بَلْ يَبْعُدُ فِي الْعَادَةِ أَنْ يُوجَدَ قَوْلٌ لَمْ يُوجَدْ لِمَعْنَاهُ الْمُرَكَّبِ نَظِيرٌ فِي الْأَفْعَالِ الْمُعْتَادَةِ الْمَحْسُوسَةِ، بِحَيْثُ إِذَا فَعَلَ الْفِعْلَ عَلَى مُقْتَضَى مَا فُهِمَ مِنَ الْقَوْلِ؛ كَانَ هُوَ الْمَقْصُودَ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ وَلَا إِخْلَالٍ، وَإِنْ كَانَتْ بِسَائِطُهُ مُعْتَادَةً كَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَالطَّهَارَةِ وَنَحْوِهَا وَإِنَّمَا يَقْرُبُ مِثْلُ هَذَا الْقَوْلِ١ الَّذِي مَعْنَاهُ الْفِعْلِيُّ بَسِيطٌ، وَوُجِدَ لَهُ نَظِيرٌ فِي الْمُعْتَادِ، وَهُوَ إِذْ ذَاكَ إِحَالَةٌ عَلَى فِعْلٍ مُعْتَادٍ؛ فَبِهِ حَصَلَ الْبَيَانُ لَا بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ٢، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لَمْ يقم القول هنا في


= المخصوصة التي تظهر من الفعل، ومن ذلك تجد لزوم التمرين في مثل الصناعات عمليًّا، ولا يكتفي بالقول والشرح فيها، وقوله: "بل يبعد" ترقّ لإيضاح ما قبله بتحديد المحل الذي لا يفي فيه القول، وفاء الفعل في ضبط كيفياته ضبطًا لا يدع نقصًا ولا زيادة، وذلك في الأعمال المركبة من أركان وشروط ومستحسنات، وتلحقها مبطلات وعوارض غير مستحسنة، ولم تجر بها عادة بين الناس تحددها تحديدًا وافيًا، وذلك كالصلاة والحج؛ فمجرد القول فيهما لا يفي بهما وفاء تامًّا، بحيث إذا اقتصر عليه لا يحصل زيادة عن المطلوب ولا نقص عنه، وإن كانت بسائطهما معتادة في شريعتنا ثم ورد تعديل ونسخ في كيفياتهما، أو معتادة باعتبار شرائع متقدمة؛ فكلي الصلاة والحج معتاد، ومجرد هذا لا يكفي القول فيه لضبط تفاصيل كيفياته للتفاوت بين الصلوات الخمس عددًا وكيفية، وسرًّا وجهرًا، وبسورة وغير سورة، كذلك نفس النوافل وصلاة العيدين والكسوف والخسوف والجنازة والوتر والضحى وهكذا؛ فتفاصيل هذه الصلوات لا يكفي فيه القول لضبطه، وإن كان أصل الصلاة معتادًا في شريعتنا، وإنما يقرب في العادة أن يؤدي القول مؤدى الفعل فيما كان معناه بسيطًا، أو وجد له نظير في المعتاد ولو كان مركبًا؛ فإنك إذا وصفت للخياط الحالة التي تريد أن يكون عليها الثوب وكان ما وصفت معتادًا؛ فلا مانع أن يجيء الثوب حسبما وصفت، بدون زيادة ولا نقص، ويكون البيان إذ ذاك حاصلًا بالفعل المعتاد لا بالقول، وعليه يكون قوله: "ووجد له نظير" الواو فيه بمعنى أو كما هو ظاهر، وكما يؤخذ من كلام المؤلف حيث جعل التركيب قيدًا، وكونه لا نظير له في الأفعال معتادة قيدًا آخر، وسيأتي في الفصل بعده ما يقتضي أن الواو على معناها الأصلي، وأن الذي يقرب أن يؤدي القول فيه مؤدى الفعل صورة واحدة، وهي ما كان بسيطًا بقيد أن يكون مثله معتادًا، ولك أن تقول كما قررنا: إن المعتاد ولو كان مركبًا يفي القول فيه وفاء الفعل، والشواهد عليه كثيرة. "د".
١ في "ط": "في القول".
٢ انظر: "أفعال الرسول, صلى الله عليه وسلم" "١/ ١٠٦" للشيخ محمد الأشقر.

<<  <  ج: ص:  >  >>