للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكُلُّ مَا كَانَ مِنَ الْمَعَانِي الَّتِي تَقْتَضِي تَحْقِيقَ الْمُخَاطَبِ بِوَصْفِ الْعُبُودِيَّةِ، وَالْإِقْرَارِ لِلَّهِ بِالرُّبُوبِيَّةِ؛ فَذَلِكَ هُوَ الْبَاطِنُ الْمُرَادُ وَالْمَقْصُودُ الَّذِي أُنْزِلَ الْقُرْآنُ لِأَجْلِهِ.

وَيَتَبَيَّنُ ذَلِكَ بِالشَّوَاهِدِ الْمَذْكُورَةِ آنِفًا، وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} [الْبَقَرَةِ: ٢٤٥] ، قَالَ أَبُو الدَّحْدَاحِ: إِنَّ اللَّهَ كَرِيمٌ اسْتَقْرَضَ مِنَّا مَا أَعْطَانَا، هَذَا مَعْنَى الْحَدِيثِ١، وَقَالَتِ٢ الْيَهُودُ: {إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [آلِ عِمْرَانَ: ١٨١] ؛ فَفَهْمُ أَبِي الدَّحْدَاحِ هُوَ الْفِقْهُ، وَهُوَ الْبَاطِنُ الْمُرَادُ، وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ أَبُو الدَّحْدَاحِ: يَسْتَقْرِضُنَا وَهُوَ غَنِيٌّ؟ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "نَعَمْ ليُدخلكم الْجَنَّةَ". وَفِي الْحَدِيثِ قِصَّةٌ٣، وَفَهْمُ الْيَهُودِ لَمْ يَزِدْ عَلَى مُجَرَّدِ الْقَوْلِ الْعَرَبِيِّ الظَّاهِرِ، ثُمَّ حَمَلَ اسْتِقْرَاضَ الرَّبِّ الْغَنِيِّ عَلَى اسْتِقْرَاضِ الْعَبْدِ الْفَقِيرِ، عَافَانَا الله من ذلك.


١ سيأتي نصه وتخريجه قريبًا إن شاء الله.
٢ راجع: "روح المعاني" في الآية. "د".
٣ أخرج الحسن بن عرفة في "جزئه" "رقم ٨٧"، وابن جرير في "تفسيره" "٢/ ٥٩٣"، والطبراني في "المعجم الكبير" "٢٢/ ٣٠١/ رقم ٧٦٤"، وأبو يعلى في "المسند" "٨/ ٤٠٤/ رقم ٤٩٨٦"، والبزار في "مسنده" "١/ ٤٤٧/ رقم ٩٤٤, زوائده"، وابن حيويه في "من وافقت كنيته كنية زوجه من الصحابة" "ص٥٩-٦٠"، وابن أبي حاتم في "تفسيره" -كما في "تفسير ابن كثير" "١/ ٣٠٦"- من طريق خلف بن خليفة عن حميد الأعرج عن عبد الله بن الحارث عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: لما نزلت: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} ، قال أبو الدحداح: يا رسول الله, وإن الله يريد منا القرض!! قال: "نعم يا أبا الدحداح". قال: أرني يدك. قال: فناوله، قال: فإني أقرضت ربي حائطًا لي فيه ستمائة نخلة. ثم جاء يمشي حتى أتى الحائط، وأم الدحداح فيه وعيالهم فناداها: يا أم الدحداح! قالت: لبيك. قال: اخرجي، قد أقرضت ربي حائطًا فيه ستمائة نخلة.
وفي سنده حميد الأعرج، قال البخاري: "منكر الحديث"، انظر: "التاريخ الكبير" "١/ ٢ =

<<  <  ج: ص:  >  >>