للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِهِ نَفْسُهُ؛ فَغَلَبَ الْهَوَى وَالشَّهْوَةُ الْعِلْمَ وَالْعَقْلَ بِسَابِقِ الْقَدَرِ...." إِلَى آخِرِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ.

وَهَذَا الَّذِي ادَّعَاهُ فِي الْآيَةِ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ النَّاسُ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ النَّهْيُ عَنْ نَفْسِ الْأَكْلِ لَا عَنْ سُكُونِ الْهِمَّةِ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَنْهِيًّا عَنْهُ أَيْضًا، وَلَكِنْ لَهُ وَجْهٌ يَجْرِي عَلَيْهِ لِمَنْ تَأَوَّلَ، فَإِنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا وَقَعَ عَنِ١ الْقُرْبِ لَا غَيْرِهِ، وَلَمْ يَرِدِ النَّهْيُ عَنِ الْأَكْلِ٢ تَصْرِيحًا؛ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ اللَّفْظِ وَبَيْنَ مَا فُسِّرَ بِهِ.

وَأَيْضًا؛ فَلَا يَصِحُّ حَمْلُ النَّهْيِ عَلَى نَفْسِ الْقُرْبِ مُجَرَّدًا إِذْ لَا مُنَاسَبَةَ فِيهِ تَظْهَرُ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، وَإِنَّمَا النَّهْيُ عَنْ مَعْنًى فِي الْقُرْبِ، وَهُوَ إِمَّا التَّنَاوُلُ وَالْأَكْلُ، وَإِمَّا غَيْرُهُ وَهُوَ شَيْءٌ يَنْشَأُ الْأَكْلُ عَنْهُ وَذَلِكَ مُسَاكَنَةُ الْهِمَّةِ فَإِنَّهُ الْأَصْلُ فِي تَحْصِيلِ الْأَكْلِ وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ السُّكُونَ لِغَيْرِ اللَّهِ لِطَلَبِ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ مَنْهِيٍّ عَنْهُ؛ فَهَذَا التَّفْسِيرُ لَهُ وَجْهٌ ظَاهِرٌ، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: لَمْ يَقَعِ النَّهْيُ عَنْ مُجَرَّدِ الْأَكْلِ مِنْ حَيْثُ هُوَ أَكْلٌ، بَلْ عَمَّا يَنْشَأُ عَنْهُ الْأَكْلُ مِنَ السُّكُونِ لِغَيْرِ اللَّهِ؛ إِذْ لَوِ انْتَهَى لَكَانَ سَاكِنًا لِلَّهِ وَحْدَهُ، فَلَمَّا لَمْ يَفْعَلْ وَسَكَنَ إِلَى أَمْرٍ فِي الشَّجَرَةِ غَرَّهُ بِهِ الشَّيْطَانُ، وَذَلِكَ الْخُلْدُ الْمُدَّعَى؛ أَضَافَ اللَّهُ إِلَيْهِ لَفْظَ الْعِصْيَانِ٣، ثُمَّ تَابَ عليه، إنه هو التواب الرحيم.


١ في "ط": "على".
٢ في النسخ المطبوعة: "الأول"، وما أثبتناه من الأصل و"ط".
٣ والأحوط نظرًا إلى مقام آدم -عليه السلام- أن صدور ما ذكر منه كان قبل النبوة وكان سهوًا أو عن تأويل، وعلى فرض وقوعه بعد البعثة؛ فالحق أنه من الصغائر التي لا تنافي العصمة خصوصًا إذا وقع عن تأويل، وإنما عظم الأمر عليه وعظم لديه نظرًا إلى علو شأنه ومزيد فضل الله عليه وإحسانه. وقد شاع: حسنات الأبرار سيئات المقربين. =

<<  <  ج: ص:  >  >>