للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ مَقْصُودًا لَهَا؛ فَبِالْقَصْدِ الثَّانِي، وَمِنْ جِهَةِ ما هو معين على إدراك الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ، كَالْمَجَازِ وَالِاسْتِعَارَةِ وَالْكِنَايَةِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ؛ فَرُبَّمَا لَا١ يَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى فِكْرٍ، فَإِنِ احْتَاجَ النَّاظِرُ فِيهِ إِلَى فِكْرٍ؛ خَرَجَ عَنْ نَمَطِ الْحُسْنِ إِلَى نَمَطِ الْقُبْحِ وَالتَّكَلُّفِ، وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، فَكَذَلِكَ لَا يَلِيقُ بِالْقُرْآنِ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى.

وَأَيْضًا؛ فَإِنَّهُ حَائِلٌ٢ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَبَيْنَ الْمَقْصُودِ مِنَ الْخِطَابِ، مِنَ التَّفَهُّمِ لِمَعْنَاهُ ثُمَّ التَّعَبُّدِ بِمُقْتَضَاهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِعْذَارٌ وَإِنْذَارٌ، وَتَبْشِيرٌ وَتَحْذِيرٌ، وَرَدٌّ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ؛ فَكَمْ بَيْنَ مَنْ فَهِمَ مَعْنَاهُ وَرَأَى أَنَّهُ مَقْصُودُ الْعِبَارَةِ فَدَاخَلَهُ مِنْ خَوْفِ الْوَعِيدِ وَرَجَاءِ الْمَوْعُودِ مَا صَارَ بِهِ مُشَمِّرًا عَنْ سَاعِدِ الْجِدِّ وَالِاجْتِهَادِ، بَاذِلًا غَايَةَ الطَّاقَةِ فِي الْمُوَافَقَاتِ، هَارِبًا بِالْكُلِّيَّةِ عَنِ الْمُخَالَفَاتِ، وَبَيْنَ مَنْ أَخَذَ فِي تَحْسِينِ الْإِيرَادِ وَالِاشْتِغَالِ بِمَآخِذِ الْعِبَارَةِ وَمَدَارِجِهَا، وَلِمَ اخْتَلَفَتْ مَعَ مُرَادِفَتِهَا مَعَ أَنَّ الْمَعْنَى وَاحِدٌ، وَتَفْرِيعُ التَّجْنِيسِ وَمَحَاسِنُ الْأَلْفَاظِ، وَالْمَعْنَى الْمَقْصُودُ فِي الْخِطَابِ بِمَعْزِلٍ عَنِ النَّظَرِ فِيهِ؟!

كُلُّ عَاقِلٍ يَعْلَمُ أَنَّ مَقْصُودَ الْخِطَابِ لَيْسَ هُوَ التَّفَقُّهَ فِي الْعِبَارَةِ، بَلِ التَّفَقُّهُ فِي الْمُعَبَّرِ عَنْهُ وَمَا الْمُرَادُ بِهِ، هَذَا لَا يَرْتَابُ فِيهِ عَاقِلٌ.

وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ التَّمَكُّنَ فِي التَّفَقُّهِ فِي الْأَلْفَاظِ وَالْعِبَارَاتِ وَسِيلَةٌ إِلَى التَّفَقُّهِ فِي الْمَعَانِي بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ؛ فَكَيْفَ يَصِحُّ إِنْكَارُ مَا لَا يُمْكِنُ إِنْكَارُهُ؟ وَلِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالْوَسِيلَةِ وَالْقِيَامَ بِالْفَرْضِ الْوَاجِبِ فِيهَا دُونَ٣ الِاشْتِغَالِ بِالْمَعْنَى الْمَقْصُودِ لَا يُنْكَرُ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِلَّا لَزِمَ ذَمُّ عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ بجميع أصنافه، وليس


١ في "ط": "كان ذلك قريبًا لا ... ".
٢ لأنه شغل كبير بما لا يعني، مضيع للوقت فيما ليس مقصودًا؛ فيحول عن المقصود كما بينه بقوله: "فكم بين من فهم ... إلخ". "د".
٣ أي: قبل الاشتغال. "د".

<<  <  ج: ص:  >  >>