للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ.

لِأَنَّا نَقُولُ: مَا ذَكَرْتَهُ فِي السُّؤَالِ لَا يُنْكَرُ بِإِطْلَاقٍ، كَيْفَ وَبِالْعَرَبِيَّةِ فَهِمْنَا عَنِ اللَّهِ تَعَالَى مُرَادَهُ مِنْ كِتَابِهِ؟ وَإِنَّمَا الْمُنْكَرُ الْخُرُوجُ فِي ذَلِكَ إِلَى حَدِّ الْإِفْرَاطِ، الَّذِي يُشَكُّ فِي كَوْنِهِ مُرَادَ الْمُتَكَلِّمِ، أَوْ يَظُنُّ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ، أَوْ يَقْطَعُ بِهِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَمْ يُفْهَمْ مِنْهَا قَصْدُ مِثْلِهِ فِي كَلَامِهَا وَلَمْ يَشْتَغِلْ بِالتَّفَقُّهِ فِيهِ سَلَفُ هَذِهِ الْأُمَّةِ؛ فَمَا يُؤَمِّنُنَا مِنْ سُؤَالِ اللَّهِ تَعَالَى لَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ: مِنْ أَيْنَ فَهِمْتُمْ عَنِّي أَنِّي قَصَدْتُ١ التَّجْنِيسَ الْفُلَانِيَّ بِمَا أَنْزَلْتُ مِنْ قَوْلِي: {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الْكَهْفِ: ١٠٤] ، أَوْ قَوْلِي: {قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ} [الشُّعَرَاءِ: ١٦٨] ؟ فَإِنَّ فِي دَعْوَى مِثْلِ هَذَا عَلَى الْقُرْآنِ، وَأَنَّهُ مَقْصُودٌ لِلْمُتَكَلِّمِ بِهِ خَطَرًا، بَلْ هُوَ رَاجِعٌ إِلَى مَعْنَى٢ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النُّورِ: ١٥] ، وَإِلَى أَنَّهُ قَوْلٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ بِالرَّأْيِ، وَذَلِكَ بِخِلَافِ الْكِنَايَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [المائدة: ٦] .

وقوله: {كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ} [المائدة: ٧٥] .


١ لا يلزم من التعريف عن وجود الجناس في القرآن أن يدعى أنه مقصود لله، بل على تسليم أن هذا ليس مما يجري على مقاصد العرب في كلامهم، يكون وقوع الجناس مما اتفق، كما اتفق أن هناك فقرًا من الآيات موافقة لشطرات من بحور الشعر, كما في قوله:
كسر الجرة عمدًا ... وملأ الأرض شرابا
قلت لما غاب عقلي ... ليتني كنت ترابا
فمن أين لنا أن من يستخرج الجناسات من القرآن يدعي أنها مقصودة لله في خطابه؟ حتى يكون فيه هذا الحظر. "د".
قلت: انظر "إعجاز القرآن" للباقلاني "ص٥١, تحقيق السيد صقر".
٢ وإنما قال: "إلى المعنى" لما هو ظاهر من أن الآيات في حادثة معينة، وهي حادثة الإفك؛ فيكون تنزيل الآية على ما نحن فيه من باب الاعتبارات ودلالة الإشارات. "د".

<<  <  ج: ص:  >  >>