للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالرَّابِعُ: أَنَّ هَذَا الْفَرْضَ لَا يُمْكِنُ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ جِهَتَيْنِ:

مِنْ جِهَةِ الْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ؛ فَقَدْ يُسَلَّمُ الْقَوْلُ بِالتَّوْقِيفِ فِيهِ وَتَرْكِ الرَّأْيِ وَالنَّظَرِ جَدَلًا.

وَمِنْ جِهَةِ الْمَآخِذِ الْعَرَبِيَّةِ، وَهَذَا لَا يُمْكِنُ فِيهِ التَّوْقِيفُ، وَإِلَّا لَزِمَ ذَلِكَ فِي السَّلَفِ الْأَوَّلِينَ، وَهُوَ بَاطِلٌ؛ فَاللَّازِمُ عَنْهُ مِثْلُهُ، وَبِالْجُمْلَةِ؛ فَهُوَ أَوْضَحُ مِنْ إِطْنَابٍ فِيهِ١.

وَأَمَّا الرَّأْيُ غَيْرُ الْجَارِي عَلَى موافقة العربية أو الجاري٢ على الأدلة


= وأما الصحابة والتابعون؛ فأولوا القرآن بالعلم والنظر الصحيح، فإن تصفحنا الأصول التي جروا عليها كانت لنا أسوة حسنة في تدبر كتاب الله، وقد جمع أهل التأويل نبذًا من أقوالهم، ولكنهم لم يجمعوا أصول تدبرهم، والحاجة إلى ذلك شديدة؛ فإن الله تعالى أوجب التفكر في كتابه بصريح القول في غير ما آية، وقد حث النبي -صلى الله عليه وسلم- على ذلك، وعلمهم النظر والاستنباط، وكان ذلك مما فرض الله عليه.
وإذ غلب على أكثر الناس أن القول بما لم يرو عن السلف هو القول بالرأي؛ فصار ذلك مانعًا عن التفكر والتدبر، احتجنا إلى بيان الفرق بين القول بالرأي المنهي عنه وبين طريق السلف الذين تفكروا وتدبروا في القرآن، وإلى بيان الحاجة الشديدة إلى استعمال الفكر والتدبر في كتاب الله.
من العجائب بل من المصائب أن يشتبه الحق بالباطل عند أهل الحق؛ فيتعصبون للباطل، ويعثرون في وضح النهار بعدما جاءتهم البينات ضمن ذلك حرموا الفكر والنظر في آيات الله المشهودة والمتلوة، وجعلوا السنة بدعة والبدعة سنة، وذلك بعد أن علموا أن القرآن قد حث على الفكر والتدبر في كليهما، وأن الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يتدبرون القرآن، ويقولون بما فهموا منه وينقلون ذلك عنهم.
انظر: "التكميل في أصول التأويل" "ص٩" للفراهي.
١ كتب "م" في الهامش: "هكذا في المطبوعات الثلاث، ولعل الأصل الكلام: "فهو أوضح من أن يحتاج إلى إطناب فيه"".
٢ لعل الصواب: "غير الجاري".

<<  <  ج: ص:  >  >>