للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ:

رُتْبَةُ السُّنَّةِ التَّأَخُّرُ عَنِ الْكِتَابِ فِي الِاعْتِبَارِ١، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أُمُورٌ:

أَحَدُهَا: أَنَّ الْكِتَابَ مَقْطُوعٌ بِهِ٢، وَالسُّنَّةَ مَظْنُونَةٌ، وَالْقَطْعُ فِيهَا إِنَّمَا يَصِحُّ فِي الْجُمْلَةِ لَا فِي التَّفْصِيلِ، بِخِلَافِ الْكِتَابِ؛ فَإِنَّهُ مَقْطُوعٌ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ وَالتَّفْصِيلِ، وَالْمَقْطُوعُ بِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَظْنُونِ؛ فَلَزِمَ مِنْ ذَلِكَ تَقْدِيمُ الْكِتَابِ عَلَى السُّنَّةِ٣.


١ أي: فإذا ورد ما ظاهره المعارضة أخذ بالكتاب وقدم عليها، هذا ما يقصده كما يدل عليه بقية المسألة، وإن كان الدليل الثاني باعتبار شقه الأول؛ لا ينتج هذا المعنى، وإنما ينتج مجرد التبعية كالفرع مع الأصل، بل جهة كونها بيانًا تقتضي تقديمها عليه إذا ظن التعارض؛ ولذلك استدل من قال بتقديم السنة على الكتاب بقوله تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤] المفيد أنها قاضية على الكتاب؛ إلا أنه لاحظ في البيان معنى آخر يقتضي أن يكون مؤخر الرتبة عن المبين، لكنه معنى شعري لا تقوم على مثله الأدلة في هذا الفن. "د".
قلت: ناقش الأدلة المذكورة وبين بطلانها الشيخ عبد الغني عبد الخالق في "حجية السنة" "ص٤٨٨ وما بعدها"، وسنعتني بكلامه وننقل مناقشته لكل شبهة، والله الموفق.
٢ أي: من جهة الثبوت والنقل، بخلاف السنة؛ فإنها مظنونة من هذه الجهة، إلا في المتواتر منها وهو قليل، وأما من جهة الدلالة؛ فالكتاب والسنة سواء قطعًا وظنًّا. "ف".
وفي نسخة "ماء": "أن الكتاب قطعي".
٣ قال الشيخ عبد الغني عبد الخالق في "حجية السنة" "ص٤٨٩-٤٩١" في هذا الدليل، وعده شبهة؛ قال: "والجواب أنا إذا نظرنا إلى السنة من حيث ذاتها؛ وجدناها قطعية في جملتها وتفاصيلها أيضًا، وذلك حاصل بالنسبة للصحابي المشاهد له -صلى الله عليه وسلم- السامع له؛ فتنهار الشبهة من أساسها، ويجب على مقعد القاعدة أن يلاحظ فيها كل مجتهد, ولو كان لا وجود له الآن.
وإذا نظرنا إليها من حيث طريقها وبالنسبة إلينا؛ قلنا: إن كان الخبر المعارض للآية متواترًا لم يصح فيه هذا الكلام أيضًا؛ فكيف يؤخر في الاعتبار مع أنه قد يكون قطعي الدلالة والآية ظنيتها، وقد يكون متأخرًا عنها ناسخًا لها، وهو في هاتين الحالتين واجب التقديم في الاعتبار, فضلًا عن المساواة؟ =

<<  <  ج: ص:  >  >>