وكون السنة المتواترة قليلة لا يفيده شيئًا في صحة دعواه العامة، بل لو فرضنا عدم وجودها بالكلية، وجب علينا أن نفرض وجودها، ونفصل في القاعدة على مقتضى هذا الفرض؛ لأنه ممكن الحصول. وإن كان خبر آحاد، فهو وإن كان ظني الثبوت، إلا أنه قد يكون خاصًّا فيكون قطعي الدلالة، والمعارض له من القرآن عامًّا فيكون ظنيها، فيكون لكل منهما قوة من وجه، فيتعادلان، فإهدار أحدهما ترجيح بلا مرجح، بل لا بد من الجمع بينهما بحمل أحدهما على ما يوافق الآخر، فنكون قد أعملناهما معًا. فإن قال: إن مذهبي أن خبر الواحد إذا استند إلى قاعدة مقطوع بها؛ فهو في العمل مقبول، وإلا فالتوقف لأنه حينئذ مخالف لأصول الشريعة، ومخالفها لا يصح، ولأنه ليس له ما يشهد بصحته، وما هو كذلك ساقط، والمستند إلى مقطوع به راجع إلى أنه جزئي تحت معنى قرآني؛ فعند قبوله تكون المعارضة بين أصلين قرآنيين". كما صرح به فيما سيأتي "ص٣١٢"، وكذا بنحوه فيما مضى "٣/ ١٨٦". قلنا له: أما قولك: إنه إذا لم يستند إلى قاعدة مقطوع بها مخالف لأصول الشريعة، وليس له ما يشهد بصحته؛ فممنوع، فإن أصول الشريعة تقتضي العمل بما يغلب على ظن المجتهد ثبوته وإن لم يستند إلى قاعدة قطعية، وقد أقمنا الأدلة على عموم ذلك في محله، وأن عدالة الراوي المعتبرة في نظر الشارع شاهدة على صحته، وإلا لما غلب على ظن المجتهد ثبوته. فإن أردت بالشهادة بصحته الاندراج تحت قاعدة قطعية، وقلنا: إنه لم تحصل هذه الشهادة؛ منعنا لك الكبرى القائلة: وما هو كذلك فساقط، بل هي عين الدعوى؛ فهي مصادرة. ثم نقول له: لم حصرت القاعدة القطعية في المعنى القرآني؟ ولم لا يكون في السنة المتواترة؟ ثم نقول: إذا كان مستندًا إلى المعنى القرآني كان مقبولًا عندك؛ فما المانع من أن يكون معارضًا بنفسه حينئذ، حيث تقوى في نظرك بالاستناد، ولم هذا التكلف والدوران مع أنه السبب في معارضة الآية للمعنى القرآني الذي استند إليه؟ فالذي يقوى على أن يجعل غيره معارضًا؛ ألا يقوى بنفسه على المعارضة؟! انتهى بتصريف يسير.