ولو سلمنا لك هذا كله، فلا نسلم لك قولك: وما شأنه هذا فهو أولى بالتقدم؛ لأن ما ذكرته من حكاية استلزام السقوط وعدمه، إنما ينتج مجرد التبعية كالفرع مع الأصل، لا تبعية الضعيف الذي لا يقوى على معارضة متبوعه القوي، بل جهة كونه بيانًا تقتضي تقديمه على المبين إذا ظن التعارض فيعمل بالبيان؛ ولذلك استدل من قال بتقديم السنة على الكتاب بقوله تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} المفيد أنها قاضية على الكتاب. وأما قوله فيما بعد "ص٣١١": "إن قضاء السنة على الكتاب ليس بمعنى تقديمها عليه واطراح الكتاب، بل إن ذلك المعبر في السنة هو المراد في الكتاب، فكأن السنة بمنزلة التفسير والشرح لمعاني أحكام الكتاب، وليست السنة هي المثبتة للحكم دون الكتاب، كما إذا بين مالك معنى آية فعملنا بمقتضاه؛ فلا يصح لنا أن نقول: إنا عملنا بقوله دون أن نقول: عملنا بقول الله تعالى" ا. هـ ملخصًا. ففيه أن خصمه لم يقل باطراح الكتاب، وإنما قال بالمساواة وإعمال الدليل والجمع بينهما. وأما قوله: بل إن ذلك المعبر في السنة ... إلخ؛ فهذا اعتراف بمذهب خصمه، وبما يتنافى مع تأخير السنة عن الكتاب في الاعتبار. وأما قوله: وليست السنة هي المثبتة للحكم ... إلخ؛ فمسلم ونحن نقول به، وينافي مذهبه، وإن أراد أن الكتاب وحده هو المثبت؛ فغير مسلم، وقياسه على تفسير مالك باطل، فإن قول مالك ليس بحجة، بخلاف قوله -صلى الله عليه وسلم- وتفسيره؛ فإنه وحي وحجة. ولو سلمنا له ذلك لم يكن خلافه إلا في تسمية السنة دليلًا حينئذ؛ فيكون الخلاف لفظيًّا لا نجد له باعثًا عليه، ما دام متفقًا معنا على أن السنة أثرت في الكتاب وحملته على خلاف ظاهره. ثم نرجع إلى أصل الشبهة؛ فنقول: إنا لو سلمنا اقتضاء ما ذكرت تقديم المبين على البيان؛ فلا نسلمه على إطلاقه، وإنما نسلمه عند عدم إمكان الجمع بينهما؛ لأن إعمال الدليلين أولى من إهدار أحدهما. ثم نقول: القرآن قد يكون بيانًا للقرآن وقد يكون بيانًا للسنة، وقد تكون السنة بيانًا للسنة؛ فهل تقول: إن رتبة البيان التأخير في جميع هذه الأحوال؟ =