للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى اعْتِبَارِ السُّنَّةِ، وَأَنَّ اعْتِبَارَ الْكِتَابِ أَقْوَى مِنِ اعْتِبَارِ السُّنَّةِ، وَقَدْ لَا يُخَالِفُ غَيْرُهُمْ فِي مَعْنَى تِلْكَ التَّفْرِقَةِ، وَالْمَقْطُوعُ بِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّ السُّنَّةَ لَيْسَتْ كَالْكِتَابِ فِي مَرَاتِبِ الِاعْتِبَارِ.

فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ:

أَمَّا أَوَّلًا: فَإِنَّ السُّنَّةَ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ قَاضِيَةٌ عَلَى الْكِتَابِ، وَلَيْسَ الْكِتَابُ بقاضٍ عَلَى السُّنَّةِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ يَكُونُ مُحْتَمِلًا لِأَمْرَيْنِ فَأَكْثَرَ، فَتَأْتِي السُّنَّةُ بِتَعْيِينِ أَحَدِهِمَا؛ فَيُرْجَعُ إِلَى السُّنَّةِ، وَيُتْرَكُ مُقْتَضَى الْكِتَابِ.

وَأَيْضًا؛ فَقَدْ يَكُونُ ظَاهِرُ الْكِتَابِ أَمْرًا فَتَأْتِي السُّنَّةُ فَتُخْرِجُهُ عَنْ ظَاهِرِهِ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى تَقْدِيمِ السُّنَّةِ١، وَحَسْبُكَ أَنَّهَا تُقَيِّدُ مُطْلَقَهُ، وَتَخُصُّ عُمُومَهُ، وَتَحْمِلُهُ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِهِ، حَسْبَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْأُصُولِ؛ فَالْقُرْآنُ آتٍ بِقَطْعِ كُلِّ سَارِقٍ؛ فَخَصَّتِ السُّنَّةُ مِنْ ذَلِكَ سَارِقَ النِّصَّابِ الْمُحْرَزِ٢، وَأَتَى بِأَخْذِ الزَّكَاةِ من


١ بعدها في "د" وحدها: "فَتُخْرِجُهُ عَنْ ظَاهِرِهِ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى تَقْدِيمِ السنة، وحسبك ... ".
٢ الدليل على ما ذكر المصنف جملة من الأحاديث، نقتصر على الآتي:
ما أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب الحدود، باب قول الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} ، وفي كم يقطع؟ ١٢/ ٩٦/ رقم ٦٧٨٩، ٦٧٩٠، ٦٧٩١"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب الحدود، باب حد السرقة ونصابها، ٣/ ١٣١٢/ رقم ١٦٨٤" عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال صلى الله عليه وسلم: "تقطع اليد في ربع دينار فصاعدًا"، وفي رواية لمسلم: "لا تقطع اليد إلا في ربع دينار فصاعدًا"، وهذا في النصاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>