للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرُّسُوخِ فِي عِلْمٍ مَا يَبْلُغُهُ الْمُتَقَدِّمُ، وَحَسْبُكَ مِنْ ذَلِكَ أَهْلُ كُلِّ عِلْمٍ عَمَلِيٍّ أَوْ نَظَرِيٍّ؛ فَأَعْمَالُ الْمُتَقَدِّمِينَ -فِي إِصْلَاحِ دُنْيَاهُمْ وَدِينِهِمْ- عَلَى خِلَافِ أَعْمَالِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَعُلُومُهُمْ فِي التَّحْقِيقِ أَقْعَدُ، فَتَحَقُّقُ الصَّحَابَةِ بِعُلُومِ الشَّرِيعَةِ لَيْسَ كَتَحَقُّقِ التَّابِعِينَ، وَالتَّابِعُونَ لَيْسُوا كَتَابِعِيهِمْ، وَهَكَذَا إِلَى الْآنِ، وَمَنْ طَالَعَ سِيَرَهُمْ، وَأَقْوَالَهُمْ، وَحِكَايَاتِهِمْ؛ أَبْصَرَ الْعَجَبَ فِي هَذَا الْمَعْنَى.

وَأَمَّا الْخَبَرُ؛ فَفِي الْحَدِيثِ: "خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ" ١، وَفِي هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ كُلَّ قَرْنٍ مَعَ مَا بَعْدَهُ كَذَلِكَ، وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَوَّلُ دِينِكُمْ نُبُوَّةٌ وَرَحْمَةٌ، ثُمَّ مُلْكٌ وَرَحْمَةٌ، ثُمَّ مُلْكٌ وَجَبْرِيَّةٌ، ثُمَّ مُلْكٌ عَضُوضٌ" ٢، وَلَا يَكُونُ هَذَا إِلَّا مَعَ قِلَّةِ الْخَيْرِ، وَتَكَاثُرِ الشَّرِّ شيئا بعد


١ أخرجه البخاري في "الصحيح" "كتاب فضائل أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- باب فضائل أصحاب النبي, صلى الله عليه وسلم ٧/ ٣/ رقم ٣٦٥١"، ومسلم في "الصحيح" "كتاب فضائل الصحابة، باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ٤/ ١٩٦٢/ رقم ٢٥٣٣" من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- بلفظ: "خير الناس ... ".
٢ أخرجه الدارمي في "السنن" "٢/ ١١٤"، ونعيم بن حماد في "الفتن" "١/ ٩٨-٩٩/ رقم ٢٣٣، ٢٣٥"، من حديث أبي عبيدة، والطيالسي "رقم ٢٢٨"، ومن طريقه أبو يعلى في "المسند" "٢/ ١٧٧/ رقم ٨٧٣"، والطبراني في "الكبير" "١/ رقم ٣٦٧ و٢٠/ رقم ٩١"، والبيهقي في "السنن" "٨/ ١٥٩" و"الدلائل" "٦/ ٣٤٠" و"الشعب" "٥/ ١٦-١٧/ رقم ٥٦١٦" من حديث معاذ وأبي عبيدة، وأحمد "٤/ ٢٧٣"، ونعيم بن حماد في "الفتن" "رقم ٢٣٤" من حديث حذيفة، والحربي -كما قال المصنف في "الاعتصام" "٢/ ٢٥١"- من حديث أبي ثعلبة، جميعهم رفعوه بألفاظ مقاربة. وأخرجه نعيم "رقم ٢٣٦" موقوفا على عمر، و"رقم ٢٣٧، ٢٣٨"، من قول كعب، و"رقم ٢٣٩" من مذاكرة أبي عبيدة وبشير بن سعيد، والداني في "الفتن" "رقم ٣٣٤" عن عبد الرحمن بن سابط مرسلا. وفي أسانيدها مقال، ولها شاهد صحيح -عدا جملة باطلة في آخره- من حديث حذيفة، انظره في "السلسلة الصحيحة" "رقم ٥"، وانظر: "ضعيف الجامع" "رقم ١٥٧٨"، وقال "ماء": "عضوض؛ أي: يصيب الرعية فيه عسف وظلم كأنهم يعصفون عضا، والعضوض من أبنية المبالغة، وفي رواية: ملوك عضوض, وهو جمع عض بالكسر، وهو الخبيث الشرس، أي: سيئ الخلق، وفي حديث أبي بكر, رضي الله عنه: "وسترون بعدي ملكا عضوضا" ا. هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>