للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِهِ الشُّغْلُ فِي الصَّلَاةِ، وَإِلَى هَذَا فَقَدْ يَكُونُ الْخُرُوجُ عَنِ الْمَالِ سَبَبًا لِلشُّغْلِ فِي الصَّلَاةِ أَكْثَرَ مِنْ شُغْلِهِ بِالْمَالِ.

وَأَيْضًا؛ فَإِذَا كَانَ الْفَقْرُ هُوَ الشَّاغِلُ؛ فَمَاذَا يَفْعَلُ؟ فَإِنَّا نَجِدُ كَثِيرًا مِمَّنْ يَحْصُلُ لَهُ الشَّغْلُ بِسَبَبِ الْإِقْلَالِ، وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ لَهُ عِيَالٌ لَا يَجِدُ إِلَى إِغَاثَتِهِمْ سَبِيلًا، وَلَا يَخْلُو أَكْثَرُ النَّاسِ عَنِ الشُّغْلِ بِآحَادِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ؛ أَفَيَجِبُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْخُرُوجُ عَمَّا سَبَّبَ لَهُمُ الشُّغْلَ فِي الصَّلَاةِ؟ هَذَا مَا لَا يُفْهَمُ، وَإِنَّمَا الْجَارِي عَلَى الْفِقْهِ وَالِاجْتِهَادِ فِي الْعِبَادَةِ طَلَبُ مُجَاهَدَةِ الْخَوَاطِرِ الشَّاغِلَةِ خَاصَّةً، وَقَدْ يُندب إِلَى الْخُرُوجِ عَمَّا شَأْنُهُ أَنْ يَشْغَلَهُ، مِنْ مَالٍ أَوْ غَيْرِهِ، إِنْ أَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ عَنْهُ شَرْعًا، وَكَانَ مِمَّا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ فَقْدُهُ تَأْثِيرًا يُؤَدِّي إِلَى مِثْلِ مَا فَرَّ مِنْهُ أَوْ أَعْظَمَ، ثُمَّ يُنْظَرُ بعدُ فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ الْوَاقِعِ فِيهَا الشُّغْلُ: كَيْفَ حَالُ صَاحِبِهَا مِنْ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ، أَوِ اسْتِحْبَابِهَا، أَوْ سُقُوطِهَا؟ وله موضع غير هذا. ا. هـ حَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ.

فَلَمَّا وَصَلَ إِلَيْهِ ذَلِكَ؛ كَتَبَ إِلَيَّ بِمَا يَقْتَضِي التَّسْلِيمَ فِيهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِإِطْلَاقِ الْخُرُوجِ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ غَيْرُ جَارٍ فِي الْوَاقِعِ عَلَى اسْتِقَامَةٍ؛ لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ؛ فَلَا يَصِحُّ اعْتِمَادُهُ أَصْلًا فِقْهِيًّا أَلْبَتَّةَ.

وَالثَّانِيَةُ: مَسْأَلَةُ الْوَرِعِ بِالْخُرُوجِ عَنِ الْخِلَافِ١؛ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ يَعُدُّونَ الْخُرُوجَ عَنْهُ فِي الْأَعْمَالِ التَّكْلِيفِيَّةِ مَطْلُوبًا، وَأَدْخَلُوا فِي الْمُتَشَابِهَاتِ المسائل المختلف فيها.


١ انظر في هذه المسألة: "مجموع ابن تيمية" "١٠/ ٦٤٤، ٥٢٢ و٢٠/ ١٣٨، ١٣٩", و"الاعتصام" "١/ ٢١٤ و٢/ ١٤٦"، و"بدائع الفوائد" "٣/ ٢٥٧"، و"تهذيب السنن" "١/ ٦٠"، و"إغاثة اللهفان" "١/ ١٢٩-١٣٠" -كلها للإمام ابن القيم- و"الإحكام" لابن حزم "٦/ ٧٤٥"، و"إيضاح السالك" للونشريسي "١٦٠"، و"فتح الباري" "١/ ٢٧"، و"الفواكه العديدة" "٢/ ١٣٦"، و"الورع" للصنهاجي "ص٣٧"، و"تمام المنة" "١٥٩"، و"رفع الحرج" ليعقوب الباحسين "ص١٣٧-١٨٢"، وما سيأتي "٥/ ١٠٧ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>