للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالرَّابِعُ:

إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ نَاذِرَ تَرْكِ الْمُبَاحِ لَا يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِنَذْرِهِ، بِأَنْ يَتْرُكَ ذَلِكَ الْمُبَاحَ، وَأَنَّهُ كَنَذْرٍ١ فَعَلَهُ.

وَفِي الْحَدِيثِ٢: "مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطيع اللَّهَ؛ فَلْيُطِعْهُ" ٣، فَلَوْ كَانَ تَرْكُ الْمُبَاحِ طَاعَةً لَلَزِمَ بِالنَّذْرِ، لَكِنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِطَاعَةٍ.

وَفِي الْحَدِيثِ: "أَنَّ رَجُلًا نَذَرَ أَنْ يَصُومَ قَائِمًا، وَلَا يَسْتَظِلَّ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَجْلِسَ، وَأَنْ يَسْتَظِلَّ، وَيُتِمَّ صَوْمَهُ"٤. قَالَ مَالِكٌ: أَمَرَهُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَنْ يُتِمَّ مَا كَانَ لِلَّهِ طَاعَةً، وَيَتْرُكَ مَا كَانَ لِلَّهِ مَعْصِيَةً؛ فَجَعَلَ٥ نَذْرَ تَرْكِ المباح معصية٦ كما ترى٧.


١ في "م" و"خ": "كناذر".
٢ هو تمام الدليل، ومحصله أن النذر إنما يكون في الطاعة كما في الحديث، وقد أجمعوا على أن ناذر ترك المباح نذره لغو؛ فلو كان تركه طاعة وداخلا فيما يُطلب بالحديث الوفاء به؛ لم يجمعوا على عدم لزوم الوفاء به. "د".
٣ أخرجه البخاري في "الصحيح" "كتاب الأيمان والنذور، باب النذر فيما لا يملك وفي معصية, ١١/ ٥٨٥/ رقم ٦٧٠٠" من حديث عائشة, رضي الله عنها.
٤ أخرجه البخاري في "الصحيح" "كتاب الأيمان والنذور، باب النذر فيما لا يملك وفي معصية، ١١/ ٥٨٦/ رقم ٦٧٠٤" من حديث ابن عباس, رضي الله عنه.
٥ حمل المؤلف كلام مالك على ترك المباح وهو الجلوس والاستظلال؛ فقال ما قال، ولكن في الحديث الصحيح في مثله ما يفيد أن الفعل نفسه تعذيب للنفس، وهو حرام؛ حيث يقول: "إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغني"؛ فهو نذر لفعل المعصية مباشرة لا بواسطة ترك المباح. "د".
قلت: وعبارة مالك في "الموطأ" "٢/ ٢٩".
٦ ترك الكلام والاستظلال والجلوس لا يبلغ أن يكون معصية بنفسه؛ إلا أن يجر إلى نصب ومشقة، ولكن في نذر المباح قلبا لحقائق الشرع؛ فيدخل صاحبه من هذه الجهة في قبيل الذي يقصدون إلى حقيقة قررها الشارع على وضع خاص، ويخرجون بها على ذلك الوضع المرسوم؛ إما عبثا وتلاعبا، وإما جهلا بالحكم الذي تمكنهم معرفته بسهولة. "خ".
٧ قارن مع "الورع" للصنهاجي "ص١٧-١٩".

<<  <  ج: ص:  >  >>