للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْخَامِسُ:

أَنَّهُ لَوْ كَانَ تَارِكُ الْمُبَاحِ مُطِيعًا بِتَرْكِهِ -وَقَدْ فَرَضْنَا١ أَنَّ تَرْكَهُ وَفِعْلَهُ عِنْدَ الشَّارِعِ سَوَاءٌ- لَكَانَ أَرْفَعَ دَرَجَةً فِي الْآخِرَةِ مِمَّنْ فَعَلَهُ، وَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا؛ فَإِنَّ الْقَاعِدَةَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهَا٢ أَنَّ الدَّرَجَاتِ فِي الْآخِرَةِ مُنَزَّلَةٌ عَلَى أُمُورِ الدُّنْيَا، فَإِذَا تَحَقَّقَ الِاسْتِوَاءُ فِي [جميع الطاعات؛ تَحَقَّقَ الِاسْتِوَاءُ فِي] ٣ الدَّرَجَاتِ، وَفِعْلُ الْمُبَاحِ وَتَرْكُهُ فِي نَظَرِ الشَّارِعِ مُتَسَاوِيَانِ، فَيَلْزَمُ تَسَاوِي دَرَجَتِيِ الْفَاعِلِ وَالتَّارِكِ إِذَا٤ فَرَضْنَا تَسَاوِيَهُمَا فِي الطَّاعَاتِ، وَالْفَرْضُ٥ أَنَّ التَّارِكَ مُطِيعٌ دُونَ الْفَاعِلِ؛ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ أَرَفَعَ دَرَجَةً مِنْهُ، هَذَا خُلْفٌ وَمُخَالِفٌ لِمَا جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُظْلَمَ٦ الْإِنْسَانُ فَيُؤْجَرَ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ لم يطع٧؛ فلا


١ لا حاجة لذكره هذا الفرض في صوغ الدليل، وسيذكره في بيان بطلان اللازم؛ فيقول: وفعل المباح وتركه ... إلخ "د".
٢ من أين هذه القاعدة، وقد قالوا: إنه تعالى يعطي على القليل كثيرا وأن أمور الثواب ليست في التقدير؛ إلا بمجرد الفضل لا بالوزن؟ فالله تعالى يقول: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} ؛ فلا مانع أن يكون اثنان متساويين في الطاعات، وأحدهما أرفع من الآخر منزلة، بل قد يكون الأقل عملا أرفع منزلة؛ لأن الكل بمحض الفضل لا بوزان الأعمال؛ فهذا الدليل كما ترى يحوطه الضعف من جهات. "د".
٣ ما بين المعقوفتين زيادة من الأصل و"م" و"خ" و"ط".
٤ في "د": "وإذا" بزيادة واو.
٥ ملخص الدليل: أنه لو كان تارك المباح مطيعا بالترك؛ للزم أن يكون أرفع درجة ممن فعله، واللازم باطل؛ لأنهما متساويان في الدرجة، فما أدى إليه وهو المقدم باطل؛ فعليك بالنظر فيما توسط من كلامه أثناء الدليل، والتعرف عن وجه الحاجة إلى ذلك. "د".
٦ أي: نفسه بالحمل عليها ومشاقتها بترك المباح، ثم يدعي أنه يؤجر على ذلك، أي: وهذا لا يقول به أحد. "د".
قلت: وهذا التفسير خطأ، وضبط الكلمة منه خطأ [ضبطها بعد بالفتحة، ثم فسرها] ، ولو ضبطها بالضمة؛ لبان المعنى، يدل على ذلك سياق العبارة في "الورع" "ص٢١".
٧ مقابل قوله: "أولا مطيعا" بتركه أي: وإن لم يكن مطيعا بالترك؛ فلا يكون المباح مطلوب الاجتناب، يعني وهو مع هذا الفرض مفروغ منه لا داعي للكلام فيه. "د".

<<  <  ج: ص:  >  >>