للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَذْهَبًا فِي تَعَبُّدِهِ، وَفَاءً بِحَقِّ الْخِدْمَةِ، وَشُكْرِ النِّعْمَةِ وَإِسْقَاطًا لِحُظُوظِ نَفْسِهِ، وَقِيَامًا عَلَى قَدَمِ الْعُبُودِيَّةِ الْمَحْضَةِ حَتَّى لَمْ يَبْقِ لِنَفْسِهِ حَظًّا وَإِنْ أَثْبَتَهُ لَهُ الشَّارِعُ اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّ لله خزائن السموات وَالْأَرْضِ، وَأَنَّهُ قَالَ: {لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ} [طه: ١٣٢] .

وَقَالَ: {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} [الذريات: ٥٧] .

وَقَالَ: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذَّارِيَاتِ: ٢٢] .

وَنَحْوُ ذَلِكَ؛ فَهَذَا نَحْوٌ مِنَ التَّعَبُّدِ لِمَنْ قَدَرَ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ، وَمِثْلُهُ لَا يُقَالُ فِي مُلْتَزَمِهِ: إِنَّهُ خَارِجٌ عَنِ الطَّرِيقَةِ، وَلَا متكلَّف فِي التَّعَبُّدِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ هَذَا الْمَيْدَانُ لَا يَسْرَحُ فِيهِ كُلُّ النَّاسِ قُيِّدَ فِي التَّنْزِيلِ الْمَدَنِيِّ حِينَ فُرِضَتِ الزَّكَوَاتُ؛ فَصَارَتْ هِيَ الْوَاجِبَةُ انْحِتَامًا، مُقَدَّرَةٌ لَا تَتَعَدَّى إِلَى مَا دُونَهَا، وَبَقِيَ مَا سِوَاهَا عَلَى حُكْمِ الْخِيَرَةِ؛ فَاتَّسَعَ عَلَى الْمُكَلَّفِ مَجَالُ الْإِبْقَاءِ جَوَازًا، وَالْإِنْفَاقِ نَدْبًا؛ فَمِنْ مُقِلٍّ فِي إِنْفَاقِهِ وَمِنْ مُكْثِرٍ؛ وَالْجَمِيعُ مَحْمُودُونَ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَعَدَّوْا حُدُودَ اللَّهِ، فَلَمَّا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا اسْتَفْسَرَ الْمَسْئُولُ السَّائِلَ لِيُجِيبَهُ عَنْ مُقْتَضَى سُؤَالِهِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَنْتَهِي فِي الْإِنْفَاقِ إِلَى إِنْفَاذِ الْجَمِيعِ، بَلْ يُبْقِي بِيَدِهِ مَا تَجِبُ فِي مِثْلِهِ الزَّكَاةُ حَتَّى تَجِبَ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مُوَافِقٌ فِي الْقَصْدِ لِمَنْ لَمْ يبقِ شَيْئًا، عِلْمًا بِـ"أَنَّ فِي الْمَالِ حَقًّا سوى الزكاة"١، وهو يَتَعَيَّنُ تَحْقِيقًا، وَإِنَّمَا فِيهِ الِاجْتِهَادِ؛ فَلَا يَزَالُ نَاظِرًا فِي ذَلِكَ مُجْتَهِدًا فِيهِ مَا بَقِيَ بيده منه شيء.


١ ورد هذا اللفظ في حديث أخرجه الترمذي في "الجامع" "أبواب الزكاة، باب ما جاء أن في المال حقًا سوى الزكاة" ٣/ ٤٨/ رقم ٦٥٩، ٦٦٠"، والدارمي في "السنن" "١/ ٣٨٥" عن فاطمة بنت قيس بإسناد ضعيف، قال الترمذي: "هذا حديث إسناده ليس بذاك، وأبو حمزة ميمون الأعور يضعف، وروى بيان وإسماعيل بن سالم عن الشعبي هذا الحديث قوله، وهو أصح"، انظر ما مضى "٣/ ٦٤".

<<  <  ج: ص:  >  >>