للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَكَذَا إِذَا أَخْبَرَ الْعَالِمُ عَنِ الْحُكْمِ أَوْ أَمْرٍ أَوْ نَهْيٍ؛ فَإِنَّمَا ذَلِكَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الْمُكَلَّفِينَ فِي الْحَقِيقَةِ؛ فَإِنْ وَافَقَ صَدَقَ وَإِنْ خَالَفَ كَذَبَ؛ فَالْفُتْيَا لَا تَصِحُّ مَعَ الْمُخَالَفَةِ وَإِنَّمَا تَصِحُّ مَعَ الْمُوَافَقَةِ.

وَحَسْبُ النَّاظِرِ مِنْ ذَلِكَ١ سَيِّدُ الْبَشَرِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَيْثُ كَانَتْ أَفْعَالُهُ مَعَ أَقْوَالِهِ عَلَى الْوِفَاقِ٢ وَالتَّمَامِ؛ حَتَّى أَنْكَرَ عَلَى مَنْ قَالَ: يُحِلُّ اللَّهُ لِرَسُولِهِ مَا شَاءَ٣.

وَحِينَ سَأَلَهُ الرَّجُلُ عَنْ أَمْرٍ؛ فَقَالَ: "إِنِّي أَفْعَلُهُ". فَقَالَ لَهُ: إِنَّكَ لَسْتَ مِثْلَنَا، قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ. غَضِبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: "وَاللَّهِ؛ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ ٤ أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَعْلَمَكُمْ بِمَا أَتَّقِي" ٥.

وَفِي الْقُرْآنِ عَنْ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا} [الْأَعْرَافِ: ٨٩] .

وَقَوْلُهُ: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْه} [هود: ٨٨] .


١ في "ط": "في ذلك".
٢ كذا في الأصل و"ط"، وفيه "الوفاق التمام"، ,في جميع النسخ المطبوعة "الوفاء -بالهمزة- والتمام".
٣ مضى تخريجه "٢/ ٥٠٣".
٤ في الأصل: "تكون".
٥ مضى تخريجه "٢/ ٥٠٣".
٦ لأنه يدعو الناس إلى توحيد الله بلسانه، فإذا عاد إلى شركهم؛ كان كاذبًا، لم يصدق قوله فعله. "د".
٧ يقال: "خالفني فلان إلى كذا" إذا قصده وأنت مُوَلٍّ عنه، "وخالفني عنه" بالعكس؛ أي: إذا سمعتم نصحي، وتجنبتم التطفيف والبخس وعبادة الأوثان وسائر المعاصي؛ فإني لا أفعله،= واستبد به دونكم لأن الأنبياء لا ينهون عن شيء ويخالف فعلهم قولهم؛ وقد يقال: إن الآية ليس فيها أن هذا يعد كذبًا، بخلاف ما قبلها، إلا أن يقال: إنها تفيده بضميمتها إليها؛ لأن المخالف إليه فيها هو ما سماه كذبًا في قوله: {إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم} . "د".

<<  <  ج: ص:  >  >>